12 سبتمبر 2025
تسجيلقال صاحبي: والآن، وبعد أن وضحنا مشكلات اللغة العربية في إفريقيا ننتقل إلى التحديات التي تواجهها في إفريقيا. أولاً: منافسة اللغات الأوروبية:وضعت القوى الاستعمارية لغاتها في مكانة سامية، لمعرفتهم أن اللغة وسيلة لأهداف متعددة، أهمها ربط المستعمرات بالدولة المستعمِرة حاضراً ومستقبلاً ربطاً لغوياً، ومن ثم ربطها ثقافيا وفكريا، وكذلك سياسيا واقتصاديا، وهذا واضح الآن حتى بعد الخروج العسكري وحصول هذه المستعمرات على استقلالها، فقد أصبحت لغة الدولة المستعمِرة هي اللغة الرسمية ولغة التعامل في الدواوين، ولغة التعامل مع العالم الخارجي، كما صارت لغة الثقافة.وحين نأتي إلى موضوع اللغة في المستعمرات الإفريقية تأتي فرنسا في المقدمة، حيث استماتت وتستميت في سبيل نشر اللغة الفرنسية، فمنذ عام 1830م، لم تعد اللغة العربية لغة كتابة إلا إضماراً، ولم تعد تصدر بها كتب أو جرائد بل إنه في عام 1838م، صدر قرار رسمي يمنع اللغة العربية في القُطر الجزائري، نص على أن "اللغة العربية تعد لغة أجنبية".وبعد الاستقلال أسست فرنسا المنظمة الفرانكفونية (الصوت الفرنسي)، والتي هي في الحقيقة ليست منظمة ثقافية فحسب، بل سياسية أيضاً فهي الكومنولث الفرنسي التي قامت عوضاً عن قوة الإمبراطورية الفرنسية، فالسلاح هنا هو اللغة والثقافة الفرنسية. "أحمد نصيف الجنابي، ملامح من تاريخ اللغة العربية، 1981م، دار الرشيد للنشر وزارة الثقافة والإعلام العراق ص 267".والأمر ينطبق على اللغة الإنجليزية، حيث صارت لغة التعامل الرسمي ولغة التعليم ولغة الإعلام والصحافة ولغة المثقفين في كثير من الدول الإفريقية، وتنزانيا، وكينيا وأوغندا أنموذج ذلك في شرق إفريقيا، ونيجيريا وغانا أنموذج في غرب إفريقيا.وإذا ضربنا مثلاً بالسياسة الإنجليزية في جنوب السودان والتي عرفت باسم السياسة الجنوبية، فقد كان رأي رجال بعض الإرساليات التنصيرية أن تكون العربية هي لغة التعليم، لأنه يمكن استخدامها في التعليم دون تجشم مصاعب إيجاد لغة عامة جديدة، ولأن التعليم بالعربية سيضمن إقبال الجنوبيين على مدارسهم، غير أن هذه الاعتبارات المنطقية التي وضعها المبشرون في منهجهم كانت دون الاعتبارات السياسية التي وضعتها حكومة السودان في خطتها، ومدفوعاً بهذه الاعتبارات الأخيرة يجيء موقف حاكم عام السودان السير "وينجت" ضد رغبة المنصِّرين، حيث كتب إلى حاكم مديرية بحر الغزال في أواخر عام 1910م، يطلب منه أن تكون الإنجليزية لا العربية هي لغة التعليم في مدارس الإرساليات في الجنوب.هذا وبالله التوفيق.