17 سبتمبر 2025

تسجيل

دلالات الحرب على الإرهاب

01 نوفمبر 2013

نجحت القوى الأمنية التونسية في منع حدوث تفجيرين كبيرين يوم الأربعاء 30 أكتوبر 2013، الأول بمدينة سوسة السياحية التي تبعد 140 كيلومترا عن العاصمة، حين حاول الإرهابي المدعو أحمد العيادي وهو من منطقة الزهروني ومن مواليد 1992 وينتمي للتيار السلفي المتشدد وكان يقاتل في سوريا قبل أن يعود إلى تونس، أن يدخل في البداية "فندق رياض بالم" في سوسة وفي يده حقيبة، لكن دورية أمنية تابعة لإقليم الأمن الوطني بسوسة تفطنت إليه، وبمحاصرته وتضييق الخناق عليه بالتعاون مع أعوان حراسة بالنزل لاذ بالفرار وأقدم على تفجير نفسه في الشاطئ. ولم يصب أحد بأذى، فيما ذكرت مصادر أمنية أنه جرى رصد فرار شخصين آخرين. والثاني، حين حاول تنفيذ اعتداء على ضريح الرئيس الأسبق للجمهورية التونسية ومؤسسها الحبيب بورقيبة (1956-1987)، في بلدة المنستير الساحلية التي تبعد 20 كيلومترا عن مدينة سوسة. وفي تفاصيل عملية المنستير، قال المتحدث الرسمي باسم "نقابة الأمن الرئاسي" هشام الغربي، في حديث إذاعي، إنّ "الشخص الذي حاول القيام بالعملية.. والذي تم القبض عليه، يدعى أيمن السعدي بن رشيد يبلغ من العمر 18 عاماً وهو من ولاية زغوان من ذوي السوابق العدلية وصدرت بحقه أربع بطاقات تفتيش ويحمل في بطاقة التعريف الوطنية صفة تلميذ". وفيما لم تتبن أي جهة العمليتين، فإن الناطق الرسمي لوزارة الداخلية محمد علي العروي، أقر أن إرهابيي سوسة والمنستير ينتمون إلى تنظيم" أنصار الشريعة" الذي تم تصنيفه مؤخرا كتنظيم إرهابي. ورفض محمد علي العروي في مداخلة هاتفية عبر إذاعة شمس إف إم الإفصاح عن المواقع والجهات والمؤسسات التي يُمكن استهدافها من قبل الإرهابيين وذلك لسرية الأبحاث. وأكد العروي أن بعض العناصر الإرهابية لا تزال محل ملاحقة. وتحدث محمد علي العروي على ضرورة تضافر الجهود والإمكانات بين جميع الوحدات الأمنية والمواطن التونسي الذي يمكنه لعب دور في هذه الأوضاع وذلك بالإبلاغ عن كل شيء مشبوه. يُذكر أن وزارة الداخلية كانت أعلنت مساء اليوم أن الوحدات الأمنية تمكنت من القبض على 5 عناصر إرهابية على علاقة بإرهابيي سوسة والمنستير. وشكلت المحاولتان الإرهابيتان سابقة في تونس، إذ إن تنظيم " أنصار الشريعة" اقتصرت عملياته الإرهابية منذ سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي، على استهداف رموز المعارضة اليسارية والقومية (اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي)، وعناصر الأمن الوطني، والحرس الوطني (الدرك) والجيش ونصب مكامن لها. وكانت تونس شهدت آخر عمليتي تفجير في محافظتي سوسة والمنستير عام 1986، ما أدى إلى سقوط عشرات الجرحى من التونسيين والسياح الأجانب. وتشهد تونس منذ مقتل عنصرين من الحرس الوطني (الدرك) في قرية قبلاط التابعة لمحافظة باجة، ومقتل ستة عناصر من الحرس الوطني في قرية سيدي علي بن عون وبئر الحفي التابعة لمحافظة سيدي بوززيد، تصاعداً ملحوظاً في العمليات الإرهابية التي يقودها تنظيم " أنصار الشريعة"، حيث يرى المراقبون المتابعون لقضايا الإرهاب، أن استعمال تقنية التفجيرين المتزامنين في مدينتين متلاصقتين هو من خصائص العمليات التي تنفذها التنظيمات الجهادية في أنحاء العالم، لاسيَّما تنظيم " القاعدة"مثلما حصل في تفجيرات نيروبي ودار السلام التي استهدفت سفارتين للولايات المتحدة بالإضافة إلى عمليات مشابهة في سورية والعراق. ويخشى هؤلاء المراقبون أن تشهد المدن الأخرى التونسية عمليات تفجير، لاسيَّما أن سوسة والمنستير من المدن السياحية التي تتسم بوجود أمني مكثف. لا شك أن تنظيم "أنصار الشريعة" الذي يقوده أبو عياض التونسي (سيف الله بن حسين)، الذي سبق أن عاش في بريطانيا في تسعينيات القرن الماضي ونشط ضمن مجموعة الشيخ أبو قتادة الفلسطيني قبل أن "يهاجر" إلى أفغانستان ليعيش هناك خلال حكم حركة "طالبان" حيث التقى بأسامة بن لادن في قندهار عام 2000، وشارك أيضاً في تأسيس جماعة تونسية جهادية (الجماعة المقاتلة التونسية) عام 2000، وكان متورطاً في استقدام شابين تونسيين من بلجيكيا لتنظيم "القاعدة" نفذا عملية اغتيال أحمد شاه مسعود قبل يومين من هجمات 11 سبتمبر 2001، وفرّ من أفغانستان بعد الغزو الأمريكي الذي أطاح حكم "طالبان" وأخرج "القاعدة" منها، لكنه اعتُقل لدى اختفائه في تركيا عام 2003 وسلّم إلى نظام ابن علي الذي سجنه - مؤبداً - بتهم الضلوع في الإرهاب والانتماء إلى "القاعدة"، عمل منذ تمتعه بالعفو التشريعي العام مع كثير من السجناء الآخرين عقب سقوط نظام ابن علي في 2011، على تأسيس تنظيم إرهابي "أنصار الشريعة"مرتبط بتنظيم " القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي " الذي يقوده الجزائري عبد المالك دروكدال (أبو مصعب عبد الودود)، حيث أثبتت العمليات الإرهابية التي شهدتها المناطق الحدودية التونسية –الجزائرية، لاسيَّما في جبل الشعانبي منذ نهاية العام 2012، وطيلة عام 2013، بأن قادة "تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" أقاموا علاقة وثيقة مع "أبي عياض التونسي" وقادة جماعته. ورغم أن مصادر أمنية تونسية تحدثت في أكثر من مناسبة عن أدلة على أن مجموعة أبو عياض تتبع فرع القاعدة المغاربي، إلا أن "أنصار الشريعة" قالت في أكثر من مناسبة أنها ليست جزءاً من مجموعة خارجية. عبرّ تنظيم "أنصار الشريعة" عن نفسه بسلسلة من العمليات الإرهابية، بدأت بأحداث السفارة الأمريكية في 14سبتمبر 2012، والتي جسدت عملية التحول النوعي في الصدام بين تنظيم " أنصار الشريعة" وحكم حركة النهضة الإسلامية، ثم عملية اغتيال الشهيد شكري بلعيد في 6 فبراير 2013، والمواجهة العسكرية بين عناصر هذا التنظيم والجيش التونسي، والذي سقط خلالها أكثر من عشرين شهيدا في صفوف الجيش، وعملية اغتيال محمد البراهمي في 25يوليو الماضي. واستفاد تنظيم "أنصار الشريعة" من سقوط نظام القذافي في سبتمبر 2011، إذ أصبح الجهاديون التونسيون يتدربون في المعسكرات الليبية على مختلف أنواع الأسلحة في ظل غياب الدولة الليبية، ونال أبو عياض حصته من ترسانة الأسلحة الليبية التي باتت متاحة لمن يملك المال ليشتريها بأرخص الأثمان، وفي حالة زعيم "أنصار الشريعة" أبو عياض، فقد حصل على الأسلحة الليبية مجاناً كمكافأة على وقوف الجهاديين التونسيين إلى جانب إخوانهم الليبيين الذين يريدون أن يردوا لهم جميلهم خلال الثورة، إضافة إلى أن الجهاديين التونسيين الذين تخرجوا من معسكرات التدريب الليبية، توجهوا فيما بعد إلى سوريا بالعشرات - إن لم يكن بالمئات - لقتال النظام في سوريا ضمن صفوف جماعات مرتبطة بـ"القاعدة" كتنظيم "دولة العراق والشام الإسلامية – داعش " و"جبهة النصرة"، رغم أن التونسيين تلقوا هزيمة مدوية على أرض سوريا، إذ بلغ عدد القتلى في صفوفهم مما يقارب 1920 قتيلاً. وفي ظل الهزائم التي تتلقاها التنظيمات الإرهابية المرتبطة بالقاعدة وأخواتها سوريا، طالب قائد تنظيم " أنصار الشريعة" أبوعياض بوقف إرسال الشباب التونسي إلى سوريا لأن القاعدة بحاجة لهم في تونس. ويقول مصدر إسلامي مطلع عن النقاشات التي دارت بين أبو عياض والجهاديين في معسكرات ليبيا إن تونس أحق بهؤلاء المقاتلين لأن ذهابهم يعني إخلاء الساحة لـ"العلمانيين". وبذلك أصبح أبو عياض يدعو "الجهاديين" التونسيين إلى البقاء لـ"الجهاد" في تونس لأنها "أولى" بهم من مناطق أخرى، للقيام بعمليات إرهابية تربك الوضع السياسي في تونس. وتأتي العمليتان الإرهابيتان في كل من سوسة والمنستير، في توقيت دخلت فيه تونس جدياً في الحرب على الإرهاب، بعد خمسة أيام على صدور قرار رئاسي باستحداث منطقة عمليات عسكرية في محافظة سيدي بوزيد، حيث شن الجيش التونسي يوم الثلاثاء 29 أكتوبر 2013، عملية عسكرية واسعة استخدمت خلالها الدبابات والمروحيات ضد معاقل الإرهابيين الذين فروا إلى جبال المحافظة الواقعة وسط البلاد. وقال الرئيس التونسي منصف المرزوقي، لدى إشرافه على ندوة دولية مخصّصة لمناقشة مشروع لقانون مكافحة الإرهاب في تونس، إن "الإرهاب حرب مفروضة علينا تستهدف المسار الديمقراطي في تونس"، مشيراً إلى أن "قوة إرهابية في تونس قد تكون وراءها أيادٍ غير محليّة تسعى إلى ضرب المسار السلمي للانتقال الديمقراطي".