07 أكتوبر 2025
تسجيلهي كلمات قليلة صرح بها المغفور له بإذن الله أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في مؤتمر صحفي جمعه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أواخر 2017، حيث أفاد حينها بأن المهم في مسألة حصار قطر "أننا أوقفنا العمل العسكري"، وكان يقصد بذلك الخطة الشيطانية التي كانت مُعدة سلفاً من قبل بعض شياطين الإنس، بمعية شياطين الجن تؤزّهم أزا، لتنفيذها من قبل مراهقي سياسة مهووسين في دول الحصار، من بعد أن يتم إعلان حصار ومقاطعة شاملة لقطر في الخامس من يونيو من العام نفسه. كلماته تلك، أدخلته قلوب القطريين من أوسع أبوابها، ولمَ لا يدخلها وقد اتضح للقاصي والداني دوره العظيم المؤثر في تجنيب ليس قطر فحسب، بل الخليج كله كارثة لم يكن يتخيل أكثر المتشائمين في المنطقة أن أمراً كارثياً مثل ذلك من الممكن أن يُخطط له من قبل دول المنطقة نفسها، الذين تربطهم علاقات أخوة ودين وتاريخ وغيرها مما كنا ندرسها في المدارس!. مع تتابع الأحداث والمغامرات منذ الحصار، وانشغال الكل بالكل، يتذكر القطريون تارة أخرى كلمات الشيخ صباح الموجزة، والفاضحة الكاشفة للرباعي المتأزم، وهم يتابعون أحد البرامج الاستقصائية المتنوعة التي تبثها تباعاً قناة الجزيرة، وكان آخرها برنامج التحقيق الاستقصائي "المسافة صفر" الذي حمل عنوان "رسائل سيتا"، والذي تم التطرق في جزئه الأول قبل أيام إلى الكيفيات التي كان يتم فيها تجهيز سيناريو غزو عسكري لقطر، حيث جاء ضمن البرنامج تأكيد ذلك الهدف أوضحه باحث متخصص في العلوم الإنسانية الرقمية يدعى مارك جونز، بأن الذريعة التي اختلقت للأزمة الخليجية بدأت بقرصنة وكالة الأنباء القطرية، ونشر أخبار كاذبة، وإطلاق آلاف الحسابات المزيفة على تويتر وفيسبوك لخلق رأي عام وهمي داعم ومهيئ للحرب. البرنامج إذن أعاد تنشيط الذاكرة الشعبية القطرية للسيناريو الكارثي الذي تم الإعداد له في خفاء وخبث لا يوصف، والذي لولا الله ثم جهود الأمير الراحل لكان الخليج في وضع لا يمكن تصور شناعته اليوم، وأثناء انشغال الرأي العام القطري بتفاصيل ما جاء في البرنامج، الذي زاد في قناعاته عمق الخباثة واللئامة الكامنة في أعماق دول الحصار ومن يساندهم، وبات طي تلك الصفحات الغادرة ونسيانها ليس بالأمر السهل الذي يمكن القيام به كسهولة النطق والكتابة عنها، أقول إنه أثناء انشغال المجتمع القطري بكل تلك التفاصيل والذكريات والقناعات، يأتي الخبر المفجع أول أمس الثلاثاء، بوفاة أمير الإنسانية الشيخ صباح الأحمد، الأمير الذي رغم كبر سنه واعتلال صحته، كان حريصاً على لم شمل الخليجيين، وتحامل على نفسه وسافر إلى العواصم المختلفة لأجل تهدئة الوضع وحلحلة الأزمة، التي اختلقتها عقول بائسة غادرة لئيمة.. وقد جاءت الأزمة في وقت كانت المنطقة في غنى عن أي أزمات جديدة، وهذا كان محل تقدير واعتزاز من قبل قطر، حكومة وشعباً. عامل توازن وصوت حكمة جاء خبر وفاة الأمير صباح في وقت يحتاج الخليج إلى عامل توازن وصوت حكمة، وقد اجتمع ذلك في شخص الأمير الراحل، بخبرته السياسية العريقة وأخلاقه الدمثة، فكانت جهوده في الأزمة واضحة - وإن لم تعجب دول الحصار بالطبع – إذ كثيراً ما صرح الأمير الراحل بأنه لم يعد مقبولاً ولا محتملاً استمرار الخلاف بين الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي، لأنه أوهن قدرات المجلس وهدد إنجازاته. وقد صدق في رأيه. ومن ينظر إلى حال الخليج أو مجلس التعاون بعد مرور ثلاث سنوات على بدء الأزمة، يرى مدى الوهن والهوان الذي عليه المجلس، وقد كان يُضرب به المثل عربياً في أنه الكيان العربي الوحيد الصامد رغم كل الظروف منذ نشأته في بداية الثمانينيات، لكن أبى مراهقو السياسة الأربعة ذلك، فصار كيان التعاون قاب قوسين وأدنى من التناثر والذوبان، ولا أشك أنه داخلياً كذلك وإن بدا في الظاهر أنه ما زال حياً يتنفس!. ليس من المستغرب إذن أن يهب القطريون حكومة وشعباً لذكر مناقب ومآثر الأمير الراحل عبر جميع وسائل التواصل والإعلام، فقد كان لهم بمثابة العامل المطمئن والحكيم في أزمة غير مسبوقة لقطر وللخليج، حتى تكونت في الوجدان القطري قناعة تامة، أنه ليس من السهل ملء الفراغ الذي أحدثه رحيل الشيخ صباح في المنطقة. وعلى ذلك يرى كثير من المراقبين للأزمة الخليجية بعد هذا الحدث المؤثر، أنه من غير المتوقع قريباً ظهور مؤشرات في الأفق تدل على إمكانية نهاية قريبة للأزمة، خاصة بعد غياب من كان يؤمل أن تؤتى جهوده أُكُلُها في الوقت المناسب، ما يعني استمرار بقاء الخليج على صفيحه الساخن منذ أكثر من ثلاث سنوات عجاف، ولا أحد صار يدري متى يمكن أن يبرد هذا الصفيح أو تنخفض حرارته على أقل تقدير.. والله كفيلٌ بكل جميل، وهو حسبنا ونعم الوكيل. [email protected]