11 سبتمبر 2025

تسجيل

تجار الحروب وشهداء القلم

01 أكتوبر 2016

في ظل الحروب والأزمات المنتشرة في العالم يدفع الصحفيون ورجال الإعلام الذين يبحثون عن الحقيقة ثمنا غاليا يصل في الكثير من الأحيان إلى الموت والتصفية الجسدية من قبل أولئك الذين تزعجهم الحقيقة. فحسب آخر الإحصاءات لقي 450 صحفيا حتفهم في العراق، و331 في سوريا والأرقام مرشحة للزيادة يوما بعد يوم ما دامت الحروب مستمرة والنزاعات قائمة والقوى الفاعلة في النظام الدولي تتسارع وتتصارع وتتكالب من أجل مصالحها الأيديولوجية والمادية. في كل هذا نتساءل عن منظمات المجتمع الدولي أين هي في مثل هذه الجرائم التي تُرتكب في حق أبرياء ذنبهم الوحيد هو إيصال المعلومة للرأي العام حتى يتعرف الجمهور على ما يجري من حوله وفي العالم. الصحفي في العالم العربي أصبح يعاني من عراقيل وصعوبات كثيرة لتأدية عمله كما ينبغي، فمن جهة هناك السلطة التي تضع أمامه القيود والعراقيل وكل أشكال الترهيب والتخويف ومن جهة أخرى هناك مافيا المال والأعمال وتجار الحروب التي تقوم بتصفية كل من لا يقف في صفها. أثارت الحرب على العراق قبل ما يزيد على عقد من الزمان نقاشا صاخبا وجدالا كبيرا حول تعامل وسائل الإعلام المختلفة مع الأحداث. الإشكالية الأخرى التي أفرزتها حرب الخليج الثالثة هي اغتيال حرية الصحافة والتعدي على مبادئ الموضوعية والنزاهة في نقل الأحداث والوقائع. الإعلاميون والحرب معادلة صعبة وإشكالية معقدة تجمع بين متغير البحث عن الحقيقة والمعلومة وتقديمها للجمهور ومتغير صعوبة الوصول إلى هذه الحقيقة والأخطار والحواجز التي تعترض القائم بالاتصال الذي يدفع حياته في بعض الأحيان مقابل الوفاء بوعده لقارئه والوفاء لضميره المهني في تقديم المعلومة من عين المكان ومن المصدر نفسه. فمهنة الصحافة التي تسمى وتلقب بمهنة المتاعب تتحول في بعض الأحيان إلى أكثر من ذلك لتصبح مهنة المخاطرة بالحياة ومهنة الموت. فما هو ذنب الصحفي الذي قرّر أن يعاين التاريخ وأن ينقل الأحداث للرأي العام من مكان الواقعة والحادثة؟ فالمراسل الصحفي يعتبر من جنود الجبهة لكن جبهة الحقائق والمعلومات والأخبار. والمغامرة هنا والمخاطرة بالحياة ليس من أجل المال والشهرة ولكن من أجل مبدأ الفضول المهني والوفاء بالعهد للرأي العام وللجمهور. ظروف العمل والصعوبات والمشاكل والمخاطر المختلفة التي يتعرض لها المراسل الصحفي في عملية البحث عن الحقيقة والبحث عن المعلومة وتقديمها للجمهور تعتبر إشكالية بالغة الخطورة نظرا لأهمية حياة الصحفي من جهة وأهمية المعلومة والخبر بالنسبة للرأي العام من جهة أخرى. ومن خلال التجارب المختلفة للمراسلين الصحفيين وتجارب الإعلاميين من جميع أنحاء العالم فإن عملية البحث عن الحقيقة والبحث عن الخبر لا تقدم دائما على طبق من فضة. والإحصاءات تقول إن مئات الصحفيين يموتون سنويا بالرصاص والقتل والاغتيالات والعمليات الإرهابية والمضايقات المختلفة للأنظمة الدكتاتورية والمافيا السياسية والمالية والعسكرية…إلخ وهذا سواء في دول الشمال أو الجنوب فاشتهرت دول كثيرة بصعوبة ممارسة الإعلام فيها ككولومبيا وبوليفيا والبرازيل والمكسيك ومصر والجزائر والسودان وباكستان وإيران والبوسنة وكرواتيا وكوسوفو والشيشان وتيمور الشرقية وسيرا ليون وليبيا والقائمة طويلة. فحسب تقارير "مراسلون بلا حدود" لقي 850 صحفيا حتفهم في السنوات العشر الأخيرة، وأن نصف دول العالم لا تحترم حرية الصحافة، أضف إلى ذلك أن في العديد من دول العالم لا توجد فيها قوانين تحمي المهنة والمهنيين من جبروت سلطة المال والسياسة والمافيا بمختلف أنواعها وأشكالها. في الكثير من دول العالم لا توجد قوانين وهيئات ومنظمات لحماية الصحفي الذي يجد نفسه في العديد من دول العالم أمام ميادين مملوءة بالألغام ومحفوفة بالمخاطر والمشاكل والعراقيل. كما تشير التقارير كذلك أن آلاف الصحفيين عبر العالم سجنوا واعتقلوا وفي الكثير من الأحيان لا أحد يسأل عنهم أو يدافع عن قضاياهم، وهذا هو جزاء من يبحث عن الحقيقة وعن الصالح العام. دراسات وتقارير منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم و"مراسلون بلا حدود" والاتحاد العالمي للصحف والمنظمة العالمية للصحفيين وغيرها من المنظمات الحكومية وغير الحكومية تبعث على التشاؤم والحسرة والحزن الكبير للمشاكل والمتاعب والخطورة التي تكتنف مهنة الصحافة. ففي كل سنة هناك عشرات الصحفيين يموتون قتلا ويغتالون، ومئات منهم يسجنون، ومئات يحاكمون ومئات يتعرضون لمضايقات ولإهانات هذا لا لشيء إلا لأنهم حاولوا القيام بواجبهم وبرسالتهم على أحسن وجه، حاولوا أن يكشفوا الحقيقة ويحاربوا الرشوة والمحسوبية والوساطة والفساد وتبييض الأموال وتهريب المخدرات…إلى غير ذلك من الآفات والأمراض التي يدفع ضريبتها وفاتورتها الغالبية العظمى من لا حول ولا قوة لهم. المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تؤكد على حرية الرأي والتعبير وعلى الحق في المعرفة، لكن في معظم دول العالم "مافيا" المال والسياسة لا تؤمن بهذا المبدأ وبهذا الحق، وأصبح من يملك المال والنفوذ والسلطة له حق التعبير والرأي أما باقي شرائح المجتمع فتكتفي باستهلاك ما يقدم لها من دون مساءلة ولا استفسار. وأصبحت دول معروفة بديمقراطيتها وعراقتها في تقاليد حرية الصحافة وحرية الرأي والتفكير تضرب هذه المبادئ وتمارس الإرهاب الفكري على كل من يعترض سبيلها حتى وإن كانت على خطأ. إخبار الرأي العام وإيجاد سوق حرة للأفكار أصبحت من المهام الصعبة في معظم دول العالم. والقائم بالاتصال يجد نفسه في هذه المعادلة بين المطرقة والسندان، فهو أخلاقيا ومهنيا وعمليا مطالب بإعلام وإخبار الرأي العام ومن جهة أخرى يجد نفسه تحت ضغوط لا ترحم ولا تشفق لإرضاء أصحاب النفوذ والمال وأصحاب السلطة. وإذا خرج عن الخط و"تمرد" يكون مصيره التهديد أو السجن أو بكل بساطة التصفية الجسدية. السؤال الذي يطرح نفسه هنا وأمام كل هذه المهام والمسؤوليات: هل يتمتع الصحفي أثناء تغطية الحروب بالحصانة الكافية؟ هل يتمتع بحماية قانونية وبتشريعات تحميه من جبروت السلطة والمال والنفوذ والمافيا وحتى من المجرمين وقطاع الطرق؟ هل ظروف عمل الصحفي في مثل هذه المهام الصعبة والشائكة مهيأة ومواتية للقيام بالعمل الصحفي على أحسن وجه وبكل مهنية واحترافية. ضحايا مهنة الصحافة في العراق وفي غيرها من الدول التي تعرف النزاعات والأزمات ماتوا وهم يركضون وراء الحقيقة، رفضوا صحافة الصالونات وفنادق الخمس نجوم وتحاليل الأبراج العاجية والحوارات المثالية البعيدة كل البعد عن الواقع، رفضوا تقديم الأخبار عن طريق التقمص الوجداني والخيال الروحاني وإنما صمموا على الفضول والمغامرة من أجل معاينة التاريخ وأن يكونوا شهود عيان من مواقع الأحداث. أين هو الضمير الإنساني؟ أين هي المنظمات الدولية وأين هي المؤسسات التي تدافع عن الحرية والديمقراطية في أنحاء المعمورة من كل هذا؟