20 سبتمبر 2025

تسجيل

الخرطوم..عاصفة العفو الدولية

01 أكتوبر 2016

تقرير عاصف لمنظمة العفو الدولية أربك الحكومة السودانية، وزاد من تعقيدات المشهد السياسي على المستويين الداخلي والخارجي.. بالتزامن مع انعقاد الدورة (33) لمجلس حقوق الإنسان بجنيف اتهمت منظمة العفو الدولية الخرطوم بشن 30 هجوما كيماويا على منطقة جبل مرة في إقليم دارفور، منذ بداية العام الجاري.. ووفقا لتقديرات المنظمة فإن 250 شخصا على الأقل لقوا حتفهم جراء التعرض للمواد الكيماوية، وقالت في تقريرها الصادم إن تقديراتها استندت إلى صور بالأقمار الصناعية وأكثر من 200 مقابلة وتحليل خبراء لصور تظهر الإصابات. بالطبع لم تكن هذه أول "مصيبة" تلتف حول رقبة الخرطوم التي أصدرت بيانا غاضبا أعلنته وزارة الخارجية السودانية؛ فالمصائب ظلت تترا على الخرطوم خلال أكثر من ربع قرن من الزمان بيد أنه مثلما لا تتمتع الخرطوم بأي مصداقية تجاه الاستحقاقات السياسية الداخلية التي تتعلق ببسط الحريات ومحاربة الفساد؛ فإن المجتمع الدولي المتمثل في الدول الكبرى ومخالبها المتربصة كالمنظمات الدولية لا يتمتع بأي مصداقية تجاه قضايا حقوق الإنسان في دول العالم المسمى ثالثا. لقد شنت الولايات المتحدة الأمريكية حربا مدمرة ضد العراق بزعم امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل التي أثبتت الأيام أنها كانت كذبة كبرى قصد بها إيجاد مبرر أخلاقي لتدمير أقوى دولة عربية كانت قاب قوسين أو أدني من امتلاك السلاح النووي.. وقبل ذلك ضربت الولايات المتحدة بالصواريخ العابرة مصنعا للأدوية شمال الخرطوم في العام ١٩٩٨ بزعم أنه مصنعا يصنع الأسلحة الكيماوية. في ذات الوقت تمارس المنظمات المعنية بحقوق الإنسان الصمت البهيم تجاه الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب السوري بأبشع أنواع الأسلحة الكيماوية. ولن نحدثكم عن الصمت على جرائم إسرائيل في فلسطين المحتلة. اليوناميد أكبر بعثة عسكرية للأمم المتحدة في العالم (١٧٥٠٠ جندي وفرد) تحت البند السابع ظلت منتشرة في دارفور بقوات قوامها منذ عام ٢٠٠٧ لم تتحدث عن أي استخدام للأسلحة الكيماوية من جانب الحكومة السودانية. وقدمت اليوناميد 5 تقارير خلال هذا العام خمسة لمجلس الأمن الدولي لم ترصد مزاعم منظمة العفو الدولية.. الكثيرون ضد النظام في الخرطوم لكنهم ينتظرون تقارير ذات مصداقية ومستندة إلى حيثيات منطقية تخاطب العقل قبل العاطفة.قد يتفق العقلاء مع أريستيد نونونسي، الخبير الأممي المستقل لحقوق الإنسان في السودان، في وصفه حالة حقوق الإنسان في البلاد بالهشة وإنه لا يزال هناك تحديات هائلة في مجال حقوق الإنسان من حيث تأمين الحقوق الأساسية الأولية.. وقال نونونسي في خطابه الذي ألقاه أمام الدورة 33 لمجلس حقوق الإنسان بجنيف، الأسبوع الماضي في الخطاب: "إن الوضع في المناطق المتضررة من النزاع في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق قد استمر في التدهور". ولم يشر الرجل إلى انتهاكات بالأسلحة الكيماوية، بل تحدث عما أسماه بالخطوات الإيجابية التي اتخذتها الخرطوم، ومنها التوقيع على خارطة الطريق، وإنشاء مكتب فرعي للمفوضية القومية لحقوق الإنسان في دارفور وتعيين 20 مدعيا للجرائم في دارفور، وتعاونها معه ومشاركتها في الدورة الثانية من الاستعراض الدوري الشامل في مايو الماضي.ووجد السودان في جنيف دعما من كل من قطر ومصر؛ بيد أن دعم مصر يلقي بظلال سالبة على موقف السودان فقد أكد مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف "أن هناك تقدما كبيرا على صعيد حقوق الإنسان في السودان الشقيق".. فالنظام في آخر من يتحدث عن حقوق الإنسان التي ينتهكها بشكل ممنهج منذ مذبحة ميدان رابعة بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي.في ذات يكتسب دعم قطر أهمية كبيرة، إذ ترى ضرورة دعم جهود تعزيز الحوار وتحقيق السلام في كل أرجاء السودان، ودعا مندوبها في جنيف إلى وضع تصور وخطة واضحة لكيفية استقطاب الدعم لبناء قدرات حقوق الإنسان في السودان. واضطلعت قطر بجهود إحلال السلام في دارفور عبر جمع الفرقاء السودانيين والتوسط بينهم؛ بغرض الوصول إلى سلام عادل ودائم بدارفور من شأنه أن ينعكس على تحقيق الاستقرار في كل السودان، وقد أفضت هذه الجهود إلى توقيع وثيقة الدوحة للسلام في دارفور في عام 2011 والتي تم الاحتفال مؤخرا باستكمال إنفاذ بنودها بحضور أمير قطر والرئيس التشادي.ورغم أن منظمة العفو الدولية تتدثر بصفة الدولية إلا أنها ليست منظمة حكومية أو جهة دولية رسمية مثل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وغيرهما‏.. بل إنها تابعة لأشخاص، رغم أن لها أعضاء بعدد كبير من الدول.. نعم في غمرة مظاهر النفاق الدولي تجري دماء الأبرياء أنهارا في كثير من بقاع العالم وتمدُّ المصالح الضيقة ألسنتها، وتغيب الأخلاق وترتفع الشعارات الزائفة.