26 أكتوبر 2025

تسجيل

زيارة القدس تحت الاحتلال.. نصرة أم خدعة (1 من 2)؟

01 أكتوبر 2015

* يعود الحديث بين فينة وأخرى عن زيارة المسلمين في الدول المقاطعة للاحتلال للمسجد الأقصى والحجة دائما الدفاع عن المسجد الأقصى ودعاوى نصرة المقدسيين اقتصاديا ونفسيا وسياسيا.. وأقول: * هذه الدعوى (أو الدعاية) يرددها متحدثو السلطة وباسم الدين على الخصوص.. وهم لا يبدأون اختراع الفكرة فقد سبقهم لها وزير أوقاف الساقط حسني (محمود زقزوق) ما فهم في حينه أنها دعوة وتبرير وفتح لباب التطبيع استثناء واستدراكا على المقاطعة التي لا تزال الشعوب تمارسها على الاحتلال وتستعصم بها كجدار صد أخير في وجه الغرق في المشروع الصهيوني وتسويق مقولات السلام الكاذبة.* لابد أن نتفق على أن الجهاد المسلح وأؤكد على وصف وقيد المسلح الذي هو ذروة سنام الإسلام هو ذاته رأس الأمر بالنسبة للفلسطينيين الذين يحتلهم العدو ويقتلهم بالحروب المتوالية ويخوف جوارها بالسلاح.. فإذا اتفقنا على ذلك فإن السلام الذي جرى بين بعض العرب وبين هذا العدو معصية دينية بقدر ما هو خطأ سياسي إستراتيجي.. وذلك لاعتبارات: 1- أنه يعطل دورهم في تحرير فلسطين، ولا يلتفت هنا لحدود سايكس بيكو التي صنعها الاحتلال بقصد تفريق وإجهاض الأمة الواحدة.. فسلم المسلمين وحربهم وفق تعاليم الإسلام القطعية واحدة.2- أن هذه المعاهدات السلمية مع العدو جارت على القضية الفلسطينية، إذ تنازلت عنها وقيدت أي قدرة على مواجهة هذا العدو وفتحت سفارات له في عواصم عربية.3- أن هذه المعاهدات قد شجعت دولا كثيرة عربية وإسلامية وعالمية لتقيم علاقات مع الكيان الصهيوني على حساب شروط التحرير ولذلك وجدنا إسقاط قرار الأمم المتحدة رقم 3379 الذي يعتبر الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية يأتي في 1991 وفي إطار لقاءات مدريد.4- دفعت هذه الاتفاقيات بالكيفية التي تمت بها ممثلي الشعب الفلسطيني تحت واقع التفكك العربي ومناورات العدو وتسريع المسارات إلى تقديم تنازلات جوهرية والانخراط في التعاون مع الاحتلال الذي تجسد أكثر ما تجسد في اتفاقيات من أبرزها أوسلو وواي ريفر اللتان كان الاشتراط الأمني ومطاردة المقاومة البند الأول في كل منهما حتى صار هذا التعاون الخياني لدى السلطة وعلى لسان رئيسها مقدسا لا يمس.. * بناء على ما سبق من فرضية ومشروعية الجهاد المسلح فإن على المسلم - كحكم شرعي - أن يرفض هذا السلام وألا يتعاون معه بأي شكل يستطيع ألا يتعاون فيه.. وأن ينكر كل المنتجات المترتبة على هذا السلام المؤثم (من فكر سياسي ومن مقتضيات عملية ومن مخرجات أمنية أو اقتصادية..) فإذا كانت السفارات في العواصم العربية المفتوحة فعليا أو المفتوحة حكميا أو التي قد تفتح مستقبلا أحد أهم مخرجات هذا السلام فإنه لا يجوز التعامل معها إلا في حدود الضرورة التي تقدر بقدرها وفي أضيق نطاق.. * إن أراد أحد أن يأخذ منطق الضرورة كمتكأ يستند عليه في إباحة استصدار تأشيرات زيارة بيت المقدس من هذه السفارات.. فالجواب من وجهين على الأقل: 1- أن وضع هذه الزيارة تحت قيد الضرورة غير دقيق لأن نصرة المسجد الأقصى ليست محصورة ولا مقصورة على هذه الوصفية، فمن أوجه النصرة الدعم المالي والإعلامي والسياسي والثقافي والقانوني والسلمي والحربي والرسمي والأهلي والجماعي والفردي.. إلخ.2- وحتى لو اعتبرنا زيارة المسجد الأقصى أكثر وجاهة من أي دعم - وهذا تجاوز كبير للحقيقة والخيال - فإن هذه الضرورة يمكن سدادها بزيارة المسلمين في الدول التي تقيم العلاقات أصلا مع الكيان كالدول الغربية. * الغريب والعجيب أن الذين ينافحون عن هذه الدعوى ويبشرون بها كواجب ديني إن كانوا من الدعاة والعلماء فلم يعهد عليهم الاهتمام بفلسطين كالحبيب الجفري والمفتي السابق علي جمعة، وإن كانوا من السياسيين والسلطة فهم المفرطون بالقدس وبالثوابت.. (ملحوظة: النائب عن القدس ومسؤول ملفها في السلطة - حاتم عبد القادر - استقال من ذلك اعتراضا على أن موازنة القدس لدى السلطة ولعام كامل لم تتجاوز الـ13 مليون دولار).* إن كانوا يبررون الزيارة بالمصلحة، فإن المفسدة أكبر وأكثر فداحة وأشد خطرا.. ولك أن تتخيل المشهد الآتي: 1- أن تنكسر الحواجز النفسية بين علماء الأمة الذين هم ورثة نبيها، صلى الله عليه وسلم، وبين الاحتلال الذي يجب أصلا ألا يلتقوه إلا في سوح الوغى والجهاد والمقاومة.. 2- مصير مقاطعة الكتاب والفنانين والمثقفين والمقاطعة التجارية والسياحية إذا كان القدوات والمفتون وجهابذة العلماء يقومون بالزيارة والتطبيع. 3- المبرر والتكئة التي سيتذرع بها الذين في قلوبهم مرض وتهافت من الخونة الذين يتظاهرون بزيارة القدس لينتقلوا إلى كازينوهات تل أبيب ونتانيا ومرابض المخابرات الصهيونية في إسدود وعسقلان ويشاركوا في جلسات الكنيست ومؤتمرات الصهيونية ومحاضرات الجامعة العبرية.. وربما في مرحلة أخرى لا يحتاجون لهذا المرور والتعميد.* وإذن فالمفسدة والمضرة المترتبة على هذه الزيارات وبهذه المعايير أكبر من المصلحة التي لا يتوهمها إلا ضعيف العقل التائه الدين البائس الفهم المريض الخلق والجاهل الذي لا يعرف شيئا عن سيرة العدو ومنطقه.* ولقد اطلعت على حجج من أباحوا هذه الزيارة تحت حراب الاحتلال واطلعت على أجمع ما سيق فيها من حجج وهي على لسان (الحبيب علي الجفري) فلم أجد عنده دليلا واحدا يطمئن له الوجدان ولا قياسا واحدا منضبطا في علته الجامعة أو يتعلق مباشرة بالمسألة سوى تمحلات وتعنتات واستقصاءات شوارد وهوى خلاف ونحوه مما سأناقشه تفصيلا في الجزء الثاني من هذا المقال.. آخر القول: الذين دعوا لزيارة القدس تحت حراب الاحتلال يتعاملون مع دعواهم هذه على أنها الشكل الوحيد لنصرة القدس وهذا خطأ، ويتكلمون بمنطق النكاية بالعلماء ولا تؤمن نياتهم وهم أقل الناس اهتماما بالقضية.. وهذه خدعة.