18 سبتمبر 2025

تسجيل

تركيا: انقلاب العناوين

01 أكتوبر 2011

"نحن أمام أردوغانين:واحد قبل سنة وواحد الآن".هذا ما خلص إليه الكاتب التركي حسن بولور في صحيفة "ميلليت". الكلام جاء في خضم نقاشات كثيرة تظهر منذ مدة بين الباحثين والمثقفين الأتراك حول السياسة الخارجية التركية بعد ظهور توتر مع إسرائيل وآخر مع قبرص اليونانية وثالث مع اليونان وقبلها توترات مع دول مجاورة وإقليمية. عناوين كثيرة في السياسة الخارجية التركية تغيرت إلى نقيضها بفعل التحولات الحاصلة على الأرض والتي يمكن اعتبارها نتيجة إعادة النظر بطريقة تعاطي أنقرة مع القضايا والمشكلات الإقليمية. العنوان الأول هو سياسة "القوة الناعمة".حيث تميزت تركيا في السنوات القليلة الماضية بدورها الدبلوماسي في التعاطي مع المشكلات ومبادرتها إلى الوساطة في خلافات الآخرين ومنع التهديد باستخدام القوة.وقد نجحت تركيا بذلك خصوصا أن الرئيس التركي عبدالله غول وغيره من المسؤولين الأتراك كان يعتبر القوة الناعمة سرّ قوة تركيا. غير أن الملاحظ اليوم هو خلاف ذلك. يشير سميح أيديز الكاتب التركي إلى أن رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان تحدث في نيويورك إلى محطة تلفزيونية قائلا إنه إذا اقتضى الأمر فسندخل في حرب مع إسرائيل.وذكّر أيديز بكلام الناطق باسم الحكومة بولنت ارينتش من أن تركيا تأمل ألا تضطر إلى استخدام القوة في التوتر مع قبرص اليونانية. ونضيف إلى هؤلاء تصاعد الجانب العنفي من المشكلة الكردية وسقوط عدد كبير من القتلى وقيام الجيش التركي بغارات على شمال العراق واعتقالات ضمن الأكراد بتهمة التعاون مع حزب العمال الكردستاني والاستعداد لعملية عسكرية برية في شمال العراق. أيضا كان الرئيس التركي صرّح مرة أن تركيا قد اتخذت كل الإجراءات السياسية والعسكرية تحسبا لأسوأ السيناريوهات المتصلة بالوضع في سوريا. فضلا عن ذلك كانت تركيا شريكا عمليا في عمليات حلف شمال الأطلسي العسكرية ضد ليبيا. هذه الأمثلة الخمسة هي نماذج حصرية لا كلية عن تحوّل في صورة تركيا"الناعمة" والتي كسبت احترام وتقدير ودعم الجميع إلى صورة جديدة وصفها الكاتب أيديز بـ"القوة الخشنة". العنوان الثاني في السياسة الخارجية التركية هو "تصفير المشكلات". وقد كان عامود أو عماد هذه السياسات المبادرة إلى أوسع انفتاح سياسي واقتصادي على دول الجوار.ومن هذه الدول سوريا وإيران واليونان وقبرص وإسرائيل واليونان وروسيا وأرمينيا، بحيث خرجت تركيا من أن تكون بلدا محاطا بالأعداء إلى بلد محاط بالأصدقاء بل الشركاء أيضا. لكن الناظر إلى وضع تركيا اليوم يرى صورة مغايرة تماما لهذه السياسة حيث إن التوتر يطبع علاقات تركيا مع جميع الدول التي ذكرناه. قطيعة مع سوريا،اشتباك سياسي كبير مع إيران بسبب نصب الدرع الصاروخية على الأراضي التركية وهي موجهة في الأساس إلى إيران وروسيا،حالة حافة الحرب مع قبرص اليونانية وتلقائيا مع اليونان.اتهام روسيا بأنها تشكل درعا لقبرص اليونانية.توتر مع إسرائيل وتجميد العلاقات معها بل التهديد باستخدام القوة.ومع أرمينيا لا يزال الوضع السلبي مكانك راوح.وبذلك ما كان فخرا في السياسة الخارجية التركية قبل سنة تحول إلى مصدر قلق.وانتقلت تركيا من سياسة "تصفير المشكلات" إلى سياسة" تصفير السياسة" التي أخلت المكان للغة التهديد لا السياسة حسب استخدام كتاب أتراك بارزين ومنهم جنكيز تشاندار وقدري غورسيل وآخرين وباتت تركيا من جديد بلدا محاطا بالأعداء لا الأصدقاء. أيضا كان شعار سياسة " تعدد الأبعاد" الذي من أبرز عناصر السياسة الخارجية لتركيا ضحية للتحولات في السياسة الخارجية التركية عندما أشار كتّاب أتراك إلى أنه تحوّل إلى سياسة"تعدد المشكلات". كذلك تخلت تركيا عن أحد أبرز مكامن قوتها السابقة وهي البقاء على مسافة واحدة من جميع المتخاصمين سواء بين الدول أو داخل كل دولة لتكون طرفا مع هذه الدولة ضد تلك أو مع هذا الطرف ضد ذاك داخل كل دولة.وكان يمكن اعتبار ذلك وجهة نظر أو نصيحة في مرحلة أولى لكنه تجاوز ذلك إلى المس بسيادات الدول وآخرها انتقاد عصام العريان في مصر لأردوغان ودعوته له إلى عدم التدخل في الشأن الداخلي المصري وذلك بعدما دعا أردوغان المصريين إلى عدم الخوف من نظام علماني.وأمثلة التدخل التركي في الشؤون الداخلية هذه الأيام كثيرة ومنها ليبيا وسوريا وهو ما أفلت من يد تركيا أحد عناصر قوتها السابقة. أما عنوان "العمق الإستراتيجي" فهنا المأزق الأبرز في التحول في السياسة الخارجية التركية حيث بات المرء يعتقد أن تركيا تقع على حدود الولايات المتحدة الأميركية. وسط انقلاب هذه العناوين على نفسها يتساءل العديد من الكتّاب الأتراك ونتساءل معهم:أليس من مسؤول داخل عن هذه الانقلابات في العناوين ويجب أن يتحمل مسؤوليته ويعتزل موقعه؟أم أن تركيا هي على حق وجميع هذه الدول على خطأ؟نعم: تركيا إلى أين؟