02 نوفمبر 2025

تسجيل

السودان.. صعوبات اقتصادية تحكم قبضتها

01 أكتوبر 2011

صعوبات اقتصادية واضحة وسافرة أخذت تمسك بتلابيب الحكومة السودانية وتقعد بها.. ارتفاع الأسعار وانخفاض الجنيه السوداني المستمر أمام الدولار أثقال حديد تشدُّها إلى الأرض مهما حاولت أجنحة الحلول المجتزأة أن تحلق.. مظاهر الفاقة في الشارع السوداني ناقوس خطر وإشارة حمراء يجب أن تتوقف الحكومة السودانية عندها مليا.. على الحكومة معالجة ارتفاع الأسعار التي يعتبرها المواطنون أنها بلغت عنان السماء، رغم أن الغلاء والتردي الاقتصادي ظاهرة عالمية اليوم، الأمر الذي دعا الولايات المتحدة إلى إغلاق أكثر من (30) بنكا إلا أن ذلك لا يعفي الحكومة من المسؤولية، كما أن الدعوة لمقاطعة السلع التي أطلقتها الحكومة دعوة غير مقبولة ومعالجة عرجاء خاصة أن بعض السلع أساسية وليست كمالية!!. في تقديري أن عامل عدم الاستقرار السياسي، عامل رئيس في هذا الارتفاع.. كان هناك أثر سلبي لانفصال الجنوب في يوليو الماضي، فالحديث المتوتر من قبل الرسميين عن فقدان البلاد لحوالي (70%) من عائدات النفط أشاع القلق في السوق قبل أن تتأثر فعليا بهذا النقص، فحتى اليوم فإن القسمة لم تتم فهناك على الأقل (6) أشهر بعد تنفيذ الانفصال قبل أن تفقد البلاد فعليا تلك النسبة المعتبرة.. على سبيل المثال معروف أن النفط سلعة إستراتيجية بيد أنها تخضع لضغوطات السياسة قبل ضغوطات السوق، فترتفع الأسعار بغض النظر عن المعروض، فيجن جنون أسعارها إذا ما كان هناك توتر سياسي أو بوادر حرب أو حتى كوارث طبيعية لها علاقة بالدول المنتجة للنفط.. خطأ سياسي (قاتل) وقع فيه وزير المالية السوداني عندما تحدث في وقت مبكر جدا عن تأثير خروج نفط الجنوب من الحسابات الاقتصادية داعيا السودانيين إلى ربط البطون والعودة إلى حياة الكفاف والاعتماد كليا على الغذاء التقليدي (الكسرة) رغم أنها لم تعد رخيصة كما يعتقد ويظن.. حين أطلق الوزير تصريحاته التي أثارت جدلا كبيرا، لم يكن في الأفق ما يقلق فأشاع الهلع والخوف فتحرك ساكن الجشع والطمع والسوق السوداء.. لم يكن في مخيلة الوزير أن السوق والاقتصاد كائن حساس تثيره زوابع التصريحات غير المسؤولة والطائشة وهذا ما هو معلوم بالضرورة لأي اقتصادي مبتدئ.. صحيح أنه عندما نشعر أننا حيال مشكلة ما، علينا أن نفكر بجدية وتعقّل في أسوأ ما يمكن حدوثه.. لكن علينا في الوقت نفسه أن نذكر أنفسنا أنه إن حدث الأسوأ، فلن تكون هناك كارثة كبيرة تستدعي ذلك القلق. الفقر من أكبر أبواب الانحراف لأن صوت المعدة أقوى من صوت الضمير وإن ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر: خذني معك.. سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي اتخذ أعظم تدابير لمواجهة مجاعة عام الرمادة يقول: لو كان الفقر رجلا لقتله.. يقول كثير من المواطنين إنهم كثيرا ما سمعوا جعجعة ولم يروا طحينا.. عشرات اليافطات التي اشرأبت معلنة عن برامج تعنى بعلاج الفقر لكن مازالت الظاهرة مستمرة تقف شاخصة تمد لسانها متحدية.. حتى المؤسسات الاقتصادية السودانية التي تقدمت لخوض المعركة مع الفقر على أسس اقتصادية تكاد تتلاشى وسط بحر الإخفاق.. فهناك بنك العمال وبنك المزارع وبنك الادخار وبنك الثروة الحيوانية وبنك التنمية الصناعية وبنك الأسرة لكن كلها لم تحدث أثرا مقنعا، ربما توجد إضاءات هنا وهناك لكن مردود ذلك الزخم في مجمله لا يشير إلى النتيجة المبتغاة.. على الحكومة السودانية أن يمتد بصرها وبصيرتها إلى ماليزيا أشهر الدول التي حققت نجاحات باهرة في معالجة الفقر، فقد استطاعت ماليزيا خلال ثلاثة عقود (1970-2000م) تخفيض معدل الفقر من حوالي 52% إلى 6% حيث تناقص عدد الأسر الفقيرة بنهاية عقد التسعينيات إلى أكثر من ثلاثة أضعاف عما كان عليه الحال في عقد السبعينيات، وبحلول العام 2005 تم القضاء على الفقر المدقع (المطلق) قضاءً مبرماً. في منتصف الأسبوع الماضي زار الرئيس إيراني أحمدي نجاد الخرطوم في ثاني زيارة له للبلاد، وكتب البعض أن السودان ليس في حاجة لأي خطب سياسية حماسية بقدر ما يحتاج لتعاون اقتصادي، وقالوا ليس بالضرورة أن تكون العلاقات مع دولة ما إستراتيجية أن نتفق معها عقديا أو ثقافيا، فالعلاقات الإستراتيجية مع الصين تقوم على المصالح الاقتصادية وشيء من التوافق السياسي.. نعم هناك اختلافات عقدية مع إيران وربما كذلك سياسيا لكن كل ذلك لا يمنع وجود مشتركات كثيرة يمكن أن تبنى عليها علاقات اقتصادية إستراتيجية.. لاشك أن إيران قوة اقتصادية ضخمة قائمة على موارد طبيعية وكوادر بشرية ماهرة، وهذا ما يرجح أن السودان ركّز عليه في تلك الزيارة.. العلاقات التجارية بين البلدين (السودان وإيران) لا تتناسب مع مستوى تطور العلاقات السياسية بينهما إذ يقال إن حجم التبادل التجاري بينهما لا يتعدى 150 مليون دولار سنويا.. هناك قناعة بعدم معرفة رجال الأعمال في كلا البلدين بمتطلبات السوق في كل منهما، وعدم الإلمام الكافي بما تنتجه كل دولة ويمكن أن يستفيد منه المستهلك فيهما، كذلك يرجع السبب إلى عدم وجود خطوط نقل مباشر بين البلدين حيث لا يوجد حتى الآن خط بحري ولا جوي بينهما. انفتاح السودان على الصين (المبرأة) من النزعة الاستعمارية والاستغلالية كان طريقا سليما ورؤية إستراتيجية آتت ثمارها فتدفق البترول السوداني لأول مرة من دون شيفرون الأميركية أو بريتش بتروليوم البريطانية.