14 سبتمبر 2025

تسجيل

الرشوة الحرام... والمباحة!

01 سبتمبر 2018

الرِّشوة داء من أخطر الأدواء فتكًا بالمجتمعات؛ ذلك لأنها لا تَشيع في مجتمع إلا تداعت أركانه، وهبط مستواه الخُلقي إلى الحضيض، وسيطرت فيه المادة الجشعة على الحكام والمحكومين، فيصبح صاحب الحق في قلق، لأنه لا يمكنه الحصول على حقه إلا إذا قدم جُعلًا للحصول عليه، ولا ترى صاحب ظلامة يطمع في رفع ظلامته عنه إلا أن يرشو مَن له قدرة على رفعها، اقتحمت الرشوة الكثير من الجوانب في المجتمعات المختلفة، حتى لم يكد يسلم منها مجال من المجالات، ولا سيّما فيما يُسمّى دول العالم الثالث، فهناك الرشوة في الحكم، فيقضي الحاكم لمن لا يستحق، أو يمنع من يستحق، أو يقدم مَن ليس من حقه أن يتقدّم، ويؤخّر الجديرين بالتقدير والتقديم، أو يحابي في حكمه لقرابة أو جاه أو رشوة أكلها سُحتًا، كما تكون الرشوة في تنفيذ الحكم أيضًا. الرشوة تكون في الوظائف أيضًا؛ حيث يقوم الشخص بدفع الرشوة للمسؤول عن الوظيفة، فيعينه رغم استحقاق غيره، وهذا بالإضافة إلى أنّه أكلٌ للحرام والسحت، فإنّه كذلك خيانة للأمانة؛ حيث ينبغي أن يوظّف الأصلح والأكفأ. وتعتبر مما حرمه الإسلام، وغلظ في تحريمه، وقد ذكر ابن عابدين رحمه الله في حاشيته: (أن الرشوة هي: ما يعطيه الشخص لحاكم أو غيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد (وهي من كبائر الذنوب، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي. صححه الألباني في "إرواء الغليل"، وقال تعالى: "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون" أي: لا تدلوا بأموالكم إلى الحاكم، أي لا تصانعوهم بها ولا ترشوهم ليقتطعوا لكم حقا لغيركم وأنتم تعلمون أنه لا يحل لكم. وللرشوة آثار مدمرة، حيث إنها تدمر الموارد المالية للدولة، وحياة وأخلاق أفراد المجتمع، وضياع حقوق الدولة، و تعيين موظفين غير صالحين. إن لجريمة الرِّشوة ثلاثة أركان، مرتشٍ وراشٍ ورشوة ... يبقى السؤال متى تجوز الرشوة. تجوز الرشوة عند الجمهور في حالة ما إذا كان الشخص لا يستطيع أن يتوصل إلى حقه أو يدفع الضرر عن نفسه إلا بها، ويكون الإثم على المرتشي دون الراشي، فقد ورد في الأثر أن ابن مسعود رضي الله عنه كان بالحبشة فرشا بدينارين، حتى خلي سبيله. قال ابن الأثير: فأما ما يُعطى توصلاً إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه. روي أن ابن مسعود أُخذ بأرض الحبشة في شيء فأعطى دينارين حتى خُلي سبيله، ورُوي عن جماعة من أئمة التابعين أنهم قالوا: لا بأس أن يصانع الرجل عن نفسه وماله، إذا خاف الظلم.  وفي كلا الحالتين، فإن الرشوة حرام على المرتشي فيلزمه أن يتوب إلى الله من ذلك. وإذا كان الراشي قد دفع الرشوة بحق فيجب على المرتشي أن يعيد المال إلى من أخذه منه أو يستسمحه، فإن سامحه فلا يلزمه التصدق بذلك. وحينئذ لا يجوز التصدق بالرشوة إذا كان صاحبها معلوما، وإذا لم يكن معلوما بعد البحث والتحري فليتصدق بالمال في وجوه الخير ومصالح المسلمين، ومن ذلك صرفه للفقراء والمساكين.