13 سبتمبر 2025

تسجيل

التوظيف السياسي الفاشل للحج

01 سبتمبر 2017

أفرز الحصار المفروض على دولة قطر انعكاسات وتداعيات كثيرة طالت مجالات عديدة من بينها حج بيت الله الحرام. ومن المؤسف جداً أن يسيس الحج وأن تتسع رقعة الحصار إلى علاقة الإنسان بربه. فمن جهة نسمع ونقرأ ونشاهد أئمة وفقهاء يؤكدون ويصرون على عدم إقحام السياسة في الدين والشعائر كقول إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد، إن سياسة المملكة ومنذ إنشائها، تشدد على أن الحج والديار المقدسة ليست ميدانًا للعصبيات المذهبية. وأكد الشيخ صالح خلال خطبة الجمعة، أن "هذه الثوابت لا تمنع أحدا قصد هذا البيت أيا كان موقفه السياسي، أو توجهه المذهبي"، مضيفاً: "لقد علم حجاج بيت الله وزوار مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- موقف المملكة الحازم في المنع الصارم من أن يُحوّل الحج إلى منابر سياسية تتصارع فيها الأفكار والأحزاب والطوائف والمذاهب". ومن جهة أخرى يكشف لنا الواقع تصرفات تتناقض جملة وتفصيلاً مع تعاليم الدين الحنيف. حجاج قطر هذه السنة حُرموا من حج بيت الله الحرام بسبب الحصار السافر المفروض على قطر. حصار شهد العالم برمته أنه سافر وباطل ولا أساس للمطالب والمبررات التي قدمتها دول الحصار. تحول ما يعرف بـ"تسييس الحج" إلى موضوع الساعة بعد الجدل الذي انتشر مؤخرا بين قطر والمملكة العربية السعودية، على خلفية قول الرياض بأن الدوحة تنادي بتدويل الحج، بعد اتهامها للرياض باستخدامه سياسيا. وكانت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية وهي هيئة مستقلة قد خاطبت المقرَّرَ الخاص بالأمم المتحدة، المعني بحرية الدين والعقيدة، حول العراقيل والصعوبات أمام حجاج دولة قطر من المواطنين والمقيمين، من أداء مناسك الحج، وقالت اللجنةُ في بيان لها، إنها عبرت عن "قلقها الشديد إزاء تسييس الشعائر الدينية واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية"، وقد أدى ذلك إلى تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، بأن المملكة ترى دعوة قطر لتدويل مناسك الحج على أنها إعلان حرب، ليخرج بعدها وزير الخارجية القطري، نافيا أي دعوة قطرية للتدويل ويقول "لم يصدر أي تصريح من أي مسؤول قطري بشأن تدويل الحج، كما لم يتم اتخاذ أي إجراء من شأنه النظر في قضية الحج كقضية دولية". ويمثل الجدل الأخير بشأن تسييس مناسك الحج، إحياء لجدل قديم ظهر في أكثر من مناسبة وخلال أكثر من موسم، مع العديد من الدول الإسلامية كالعراق وسوريا وليبيا وغيرها، وكانت وزارة الأوقاف السورية قد أكدت في بيان لها مؤخرا، على أن السلطات السعودية تواصل حرمانها المواطنين السوريين من أداء فريضة الحج لهذا العام أيضًا، تعتبر إيران صاحبة القسط الأوفر، في هذا المجال إذ أنه ومنذ قيام الثورة الإسلامية في إيران، يكاد لا يمر موسم للحج إلا ويشهد خلافات ونزاعات من هذا القبيل، وهو ما حدا بإيران إلى دعوة قديمة تتجدد مع كل عام، بتدويل المشاعر المقدسة في المملكة العربية السعودية، بحيث تتم عملية تنظيم الحج تحت إشراف هيئة إسلامية تضم وفودا من العديد من الدول. إن السعودية تستخدم مناسك الحج، كورقة ضغط على بعض الدول التي لا تتناغم معها سياسياً، والتي لا تسير وفق أجندتها مثل إيران وقطر، وغيرها وهي في ذلك تقوم بتسييس مناسك روحية ودينية ومعنوية. لم يكن الحجيج القطري هو الممنوع الأول من أداء فريضة الحج بقرار سياسي من السلطات السعودية، فقد سبقه في القائمة قطاعات واسعة من السوريين والليبيين واليمنيين والفلسطينيين، والعام الماضي تم منع الإيرانيين بالكامل، هذا المنع أثار جدلا واسعا على كافة المستويات الشعبية والحقوقية، حيث انتقدوا تسييس موسم الحج بسبب الخلافات السياسية، ولكن من الواضح أن السلطات السعودية بدلا من أن تسهل عملية الحج لجميع المسلمين في العالم جعلته مناسبة لتصفية الحسابات السياسية ويرى كثير من المحللين أن الرياض اتخذت من الحج أداة للضغط على الحكومات، وهو ما تجلى خلال الأزمة الخليجية حين حاولت السلطات السعودية توجيه الفريضة للنيل من قطر والقطريين، مثلما كان الحال مع الحجاج الإيرانيين العام الماضي، ولوّحت السعودية بورقة الحج لأول مرة في هذه الأزمة عندما أعلنت حصارها لقطر برفقة البحرين والإمارات ومصر، وفوجئت برفض دول عربية وإفريقية إسلامية اتخاذ خطوات مماثلة لها ومجاراتها في حملتها على قطر، فلجأت بحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية إلى تهديد البلدان الإفريقية المسلمة الفقيرة بمنع شعوبها من الحج عبر تعقيد حصولهم على تأشيرات دخول، مما اضطر عددًا من الجمهوريات الفقيرة إلى الاستجابة لها، فيما رفض الجزء الأكبر الخضوع للابتزاز عبر ورقة الحج، بحسب تحقيق في 12 يونيو الماضي. وشرحت الصحيفة الفرنسية كيف أن زعماء الدول التي اضطرت إلى قطع العلاقات مع قطر أو تخفيض مستواها، فعلوا ذلك من دون العودة لا إلى حكوماتهم ولا إلى برلماناتهم وعادت السلطات السعودية لتستخدم ورقة الحج مرة أخرى في الأزمة لكن هذه المرة عبر محاولة تحميل قطر مسؤوليتها، إذ نشرت صحف محسوبة ومدعومة من قبل محور الرياض-أبو ظبي شائعة مفادها أن قطر طالبت بتدويل الحج في الأمم المتحدة وأن وزارة الأوقاف القطرية قامت بإغلاق باب التسجيل أمام الحجاج القطريين، وهو ما نفته الوزارة على الفور عبر بيان لها قالت فيه إن هذه "الأخبار الكاذبة" هي جزء من الحرب الإعلامية المضللة التي تقوم بها السعودية ضد قطر، وإن وزارة الحج والعمرة في السعودية "امتنعت عن التواصل معنا لتأمين سلامة الحجاج وتسهيل قيامهم بأداء الفريضة، متعللة بأن هذا الأمر في يد السلطات العليا في المملكة، وتنصلت من تقديم أي ضمانات لسلامة الحجاج القطريين". وبدلاً من أن تستثمر السعودية موسم الحج لتحقيق هدفه السامي في توحيد صفوف المسلمين في جميع أنحاء العالم وجعله مؤتمرا عالميا استغلت سلطانها وهيمنتها وقامت بتوظيفه في السياسة والأيديولوجية بطريقة مارقة وفاشلة.