12 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ قامت السلطة في الـ93 والتوقع أنها سوف تتصادم مع حركة فتح مهما بدا في بعض الأحيان أن بينهما نسبا شرعيا؛ فالفوارق بين "فتح التنسيق الأمني" و"فتح المقاومة" أكبر من أن يجمعهما اسم مشترك حتى لو كان اسم الرئيس..فالطريقان مختلفان ومتناقضان في المصالح والارتباطات والدور الوظيفي ومنطق التفكير ومبرر الوجود والمبدأ والمنتهى.. الكيان الصهيوني جرب ذات مرة تشكيل ما أسماه في حينه "روابط القرى" كنقيض للثورة الفلسطينية ففشلت تجربته أمام حركة "فتح" فلم يكن متوقعا أن ينجح في مواجهة فتح وحماس لو قام بذات النموذج الصهيوني المفضوح..لذلك قدم لفتح ذلك الطعم "السلطة" التي بها أسكر تفكيرها وأشبع جوعها ورفع بعضها على بعض حتى سجن بعضهم بعضا وقتل بعضهم بعضا وصار من رعيلها الأول من يعتبر التعاون مع الاحتلال "الذي هو الخيانة بعينها في كل الأعراف الثورية في كل الدنيا قديما وحديثا" صار منهم من يعتبره وطنية محضة ووجهة نظر محترمة ثم انتهى ببعضهم أن يصرحوا في مقامات رسمية بأنه فوق النقد وأنه مقدس. لا يمكن أن يكون جميع أبناء فتح على هذه الشاكلة من التدهور الخلقي والوطني والديني والمعرفي وكما كان فيها من صادق الاحتلال وتقبله وقام يسوغه ويدافع عنه، كان فيها قوم هم الرصيد الوطني والتجسيد الثوري الذي يخافه الاحتلال ويحسب حسابه. من الواضح أن مرحلة التستر واللملمة بين التشكيلين قد انتهت بالأخص في ظل ما يفرضه تحدي تنصيب خليفة لعباس على ذات المقاس أو أكثر منه تقاربا وتقديسا للاحتلال والكلام هنا عن دحلان خاصة.. لذلك وفي هذا السياق وصلت المصادمات بين التشكيلين "في نابلس" حد القتل والقتل المضاد وأن تطلق السلطة الرصاص الحي على جماهير فتح وأن يكون شعار المرحلة تجريدها من السلاح "غير الشرعي!". العدو يعلم أنه إذا مات عباس قبل أن يحسم مسألة خلافته في رجل على ذات المقاس فإن القاعدة التنظيمية المسلحة لفتح هي الخطر الحقيقي على السلطة وأن فكرة تجريمها على غرار تجريم وتخوين "الروابط" ماثلة في ذهن الشعب الفلسطيني ما لم تقف دون ذلك "فتح" التي فيها من لا بد من تقليم أظافرهم ونزع أضراسهم. من السهل أن نقول: أين العقلاء والأقوياء في فتح؟ وأين الضمير الوطني للقادة؟ وأين الذين تعلموا في مدرسة أبي عمار وأبي جهاد وصلاح وغيرهم؟ وأن نكتب مقالا نطالب فتح بالمعاجلة إلى خطوة قبل أن تأتي لحظة التوهان ثم التفكك والتلاشي، وأن نطالبهم بالعودة لشعبهم، وبأن يقروا بأن السلطة باتت خارج أيديهم، وأنه لم يبق لهم من مشروع السلطة إلا قدر ما يحمله الاحتلال منها على أكتافهم وأكتاف ثورتهم لترويجها وتعليتها عليهم قبل سواهم (كما حمل محمود عباس ذات يوم على أكتاف عرفات ليعليه على من يحبونه ومن يكرهونه). كل هذه أسئلة مشروعة ومطالبات منطقية وواقعية..ولكن المشكلة والصعوبة الحقيقية هي أن "فتح" لم تعد تملك إلا مسايرة الأقوياء - الاحتلال وجوقته من العرب - الذين استضعفوها وفككوا رمزيتها وباعوا رصيدها..فلم تعد تقوى على الرفض أو التبرم ولا حتى "الحرد السياسي" الذي كان يلجأ إليه أحيانا "أبوعمار رحمه الله!". فتح -يا سادة- لم يعد لديها خيار إلا تقبل ما يتفضل به الاحتلال، ولم يعد فيها قيادات ومتنفذون يجسدون التنوع والنبوغ والجرأة والتضحية، ويمكن أن يوقفوا المهزلة، ولا حتى يطالبوا بتفكيك السلطة ولو بلغة التحليل السياسي المجرد! آخر القول: الأكيد أن هذه ليست نهاية المشروع الوطني الفلسطيني فالقضية والشعب لا يمكن اختزالها في فتح مهما كانت رمزيتها أو سبق من امتدادها في الشعب الفلسطيني..ولكن ما يؤسف له أن تكون هذه نهاية "الشاطر حسن" وقد وصلت نار الاحتلال ومؤامراته فراشه وطاولت رأسه على ذات الطريقة وبنفس المسوغات التي قبلها في غيره.