12 سبتمبر 2025

تسجيل

نعم تعبنا

01 سبتمبر 2014

كنت أحدثه في أمر يخص العمل فكان يستمع، ويعلق، ويسعد، خلال حديثي معه ناداني باسم غير اسمي، (عديتها) فقد يحدث هذا عفوا، لكن عندما كرر الخطأ ثلاث مرات قطعت حديثه وقلت له (والله العظيم أنا اسمي هدى مش منى) وضحك، كما لم أسمعه يضحك من قبل، وذكرني خطأه بنفسي عندما كانت تقابلني إحدى من عرفت فتأخذني بالأحضان سائلة عن الصحة، والحال، والأحوال، والعيال، وأبو العيال، بينما أنا غارقة في خجلي وقد فقدت ذاكرتي اسمعها تماما، وقد ينتهي حديثها وتمضي وأنا مازلت متوعكة مع ذاكرتي العنيدة التي أبت أن تفرج عن اسمها، عندما التقيت صديقتي رويت لها ما حدث وسألتها (معقولة الزهايمر وصل واحنا لسه زغنطوطين وعمرنا يا دوب فوق العشرين)؟ فطست من الضحك في وقت عز فيه الضحك وهي تؤكد في كلام (جد) أن كثيرين يحدث معهم ذلك وأنه أصبح عاديا أن ننسى أسماء معارفنا، وأن نضع نقودنا أو أوراقنا المهمة فلا نذكر مكانها، عادي! طيب لماذا يحدث هذا؟ ضغط شغل؟ كبر في السن؟ هل إلى هذا الحد نمشي بذهن مكدود محملين بما يجلب الشرود؟ هل تعبنا إلى درجة الإرهاق الذي معه تضرب الذاكرة عن إسعافنا حتى بأسماء الوجوه التي تبدو حميمة؟ أقول هل تعبنا؟ روحي تجيبني نعم تعبنا، تعبنا من كل ما نسمع، ونقرأ، ونرى، تعبنا من لون الدم اليومي، والموت المجاني، والحيرة بين من الصادق ومن الكاذب، والمتاجرة بالأوطان، والاستهانة بكرامة البشر، نعم تعبنا من التمثيل، والتزييف، وتسيد صوت الباطل، وخفوت صوت الحق، وغربة الصدق، وضياع النخوة، وعلو كعب الندالة، والاسترقاق، والاستعباد، وكل صنوف الإذلال، نعم تعبنا من أنين الموجوع الذي لا يصل إلى منصفه، ومن اتهام الضحية بأنها الجلاد، ومن آلام يحتطبها أصحابها بصمت رهيب، نعم، نعم، نعم تعبنا من أحزان لا يعرفها إلا أصحابها، ومن دموع لا تحرق إلا عيون أصحابها، ومن إعراض الأخ عن أخيه، بل ومن ذبح الأخ لأخيه، نعم، نعم، نعم تعبنا من ضباب يحجب النور حتى عشت أعيننا! إلى متى؟ إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. ****** * * طبقات فوق الهمس* تأثروا في الغرب فحولوا تعاطفهم إلى فكرة توصل معنى التعاطف والإحساس بالمرضى، اخترعوا سطل الثلج للتعاطف مع الذين يفقدون النطق، والحركة، والتنفس، وبسرعة جمع سطل الماء البارد المشاهير، ورجال الأعمال، والرياضيين، والفنانين، والسياسيين، في دعوة للإحساس ولو للحظة بما يصيب بمرض (التصلب اللويحي) ونجح الهدف ومعناه، وبسرعة وكالعادة تلقفنا ظاهرة (السطل) لننفذها بسخافة ممجوجة في ضجة من الصخب، والضحك، ليضيع هدف نبيل مع مهرجين يخلطون الجد بالهزل، ولا يصلحون لتناول مثل هذه الأفكار النبيلة الجديرة بالتقدير والاحترام، وكم كنت آمل بدل التهريج والضحك أن أرى (سطولا) كثيرة تدلق بثلجها على رؤوس العرب الأفاضل تضامنا مع أوجاع أطفال غزة وهم يموتون وقد فصلت رؤوسهم عن أجسادهم الغضة، أو مع شيوخ غزة الذين لفظوا أنفاسهم اختناقا تحت الأنقاض، أو مع الذين فقدوا أطرافهم، أو عيونهم أو كل أهلهم وقد أضحت مساكنهم أثرا بعد عين، كنت أتمنى أن أرى (سطولا) كثيرة يُسكب ثلجها على رؤوس الأنظمة العريبة لتشعر ولو للحظة بإحساس المقتول، كنت أتمنى لكن يبدو أن بشرقنا الجميل دم بارد يفوق برودة الثلج.* فلسطينية نشمية من غزة تقول: (حيهدمو حنبني، حيقتلو حنولد، وحننتصر) الله ما أروعكم يا نساء غزة الصابرات!* لن تنسى إسرائيل أنه لأول مرة منذ تاريخ إجرامها وحربها يتم إغلاق مطار بن جوريون، وينزف اقتصادها الملايين، ويهرب سكان المستوطنات تاركين التمسك بما سرقوه.* لغزة، ونساء غزة، وأبطال القسام فقط نُنشد تسلم الأيادي.* للزهايمر نعمة جليلة ذلك عندما ننسى وجه، واسم، وعنوان، وتفاصيل من أساء إلينا ليسقط من الذاكرة وإلى الأبد.* للسادة المسؤولين بالجمعيات الخيرية، للسادة الخيرين من أهل قطر: بين يدي حالة لسيدة فلسطينية مطلقة تقيم بالدوحة يمنعها حياؤها من مراجعة الجمعيات الخيرية، لديها خمسة أطفال، أنهيت خدماتها من عملها البسيط لمرضها ووهنها بعد إجراء عملية كبيرة، لدي كل الأوراق التي تثبت احتياجها فيا نشامى قطر هل من معين؟!