20 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); عاد الهدوء إلى غزة، وتوقفت آلة الحرب الإسرائيلية عن دكّ القطاع بحمم صواريخه غير مفرقة بين مدني ومستشفى ومدرسة، بعدما نجحت المقاومة ومن ورائها الشعب الفلسطيني بالصمود في مواجهة أقوى جيوش المنطقة بإمكانات متواضعة، في ظل تآمر القريب والبعيد عليها.الجميع تحدث عن انتصار أسطوري وتاريخي حققته المقاومة على إسرائيل، لكن ما ينبغي إدراكه جيداً أن الانتصار الذي نتحدث عنه يتمثّل بإفشال مخططات الاحتلال، والاستمرار في مقاومته والصمود رغم جرائمه، والأهم من ذلك، يجب أن نعي بأن النصر لم يأت بالمجان، بل جاء نتيجة تضحيات جسام دفعت ثمنها المقاومة والشعب الفلسطيني من لحمها الحي.فبعد الإعلان عن التوصل لاتفاق ينهي العدوان على غزة احتفل أحرار العالم بالانتصار كل على طريقته، استمر احتفالهم لساعات أو لأيام وربما يستمر لأسابيع أخرى، لكن في النهاية سيعود كل منهم إلى قواعده سالماً لمتابعة همومه اليومية الصغيرة، ليبقى الشعب الفلسطيني وحيداً من جديد، يستشعر كل حين وكل ساعة وكل لحظة قيمة الانتصار الذي تحقق. فلن يكون بمقدور الطفل الذي تيتّم أن ينسى صورة والده بسهولة، ولن تجف قريباً دموع النساء اللواتي ترمّلن، والجرحى الذين أصيبوا جراء العدوان بإعاقات دائمة سيتذكرون النصر كلما واجهتهم صعوبة في متابعة حياتهم، هذا عدا مئات آلاف الفلسطينيين الذين يرفعون ركام منازلهم التي دمرها العدوان ودفن تحت حجارها ذكرياتهم، هؤلاء هم الذين يستشعرون حقيقة النصر وقيمته الحقيقية التي شاركوا بدفعها. اليوم، وبعدما وضع العدوان أوزاره، واستعاد أبناء غزة أنفاسهم من جديد، فقد بات بالإمكان إعادة قراءة بعض محطاته، وإبداء ملاحظات هي حتماً لاتنتقص من أهمية الصمود الفلسطيني الذي أثار إعجاب العالم أجمع، بل تهدف للنصح وتصويب الأداء وتحسينه ليكون أكثر كمالاً واحترافاً وإتقاناً في أي مواجهة مقبلة مع الاحتلال.صمود المقاومة على الاحتلال ما كان ليتحقق بالصورة التي شهدناها لولا أن رجال المقاومة تعلموا دروساً من مواجهاتهم السابقة مع إسرائيل. فلأول مرة يقتنع قادة المقاومة في غزة أن الحفاظ على أرواحهم وحماية أنفسهم ليس جبناً ولا هرباً من الموت، بل يأتي في سياق المعركة المفتوحة مع العدو الإسرائيلي الذي يبحث عن أي انتصار ولو إعلامي باستهدافهم. فمنذ اللحظة الأولى من إعلان الاحتلال عن فقد مستوطنيه الثلاثة في الخليل، انتقلت قيادة المقاومة في غزة إلى تحت الأرض، تتحضر لمعركة جاءتها بعد أيام قليلة. هذا الإدراك ربما حرم هذه القيادات الشهادة التي طالما تمنوا نيلها وسعوا من أجلها، لكنه في المقابل سلب الإسرائيليين نصراً مزعوماً لم يتحقق. وهذا ما يجب أن تستمر عليه المقاومة في كل مواجهة مقبلة.إلى جانب الجهوزية النفسية والميدانية، كان واضحاً أن فصائل المقاومة تجهزت إعلامياً. فبالتزامن مع العدوان الإسرائيلي أعلنت فصائل المقاومة عن الأسلحة المتطورة التي امتلكتها، والمدى الذي باتت تبلغه صواريخها، وتم الكشف عن تشكيلات قتالية جديدة أضيفت إلى صفوفها (الضفادع البشرية مثالاً). هذا الإعلان كان إدراكاً من قيادة المقاومة لأهمية الإعلام في معركتها مع الاحتلال، وأيضاً لإدراك واجبها التعبوي تجاه ساحتها ومناصريها. لكن من جهة أخرى ربما أسهم هذا الإعلان في استعداد الاحتلال للمواجهة وإبطال مفعول الأسلحة التي تم الإعلان عنها قبل استخدامها، وهو ما ينبغي الالتفات إليه في المرات المقبلة.لايخفى على أحد الدور الكبير الذي لعبته كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي عسكرياً، لكن ما كان لافتاً هذه المرة، أن القسام لعبت دوراً سياسياً. فهي سبقت قيادتها السياسية في رفض المبادرة المصرية حين تم الإعلان عنها في وسائل الإعلام فجراً. وهي من حددت سقف مطالب الشعب الفلسطيني في مفاوضات القاهرة. هو دور لا ضير أن تلعبه كتائب القسام إذا كان منسّقاً مع قيادتها السياسية، لكن الأمر سيبدو مختلفاً إذا كانت بادرت من تلقاء نفسها ودون تنسيق للعب هذا الدور.من الميّزات الإعلامية للمواجهة الأخيرة أن قيادات الفصائل الفلسطينية استفادت لأول مرة من وسائل التواصل الاجتماعي في مخاطبة جماهيرها. وقد اعتمدت العديد من وسائل الإعلام والفضائيات على الصفحات الشخصية لمسؤولين في حركة حماس للحصول على مواقف الحركة، وهو أمر أسهم في انتشار مواقف المقاومة بشكل أسرع وأوسع. لكن ما ينبغي التنبّه إليه، هو أن وسائل الإعلام اعتبرت الصفحات الشخصية منبراً رسمياً للجهة التي ينتمي إليها أصحابها، وهذا يفرض على هؤلاء التعامل مع صفحاتهم الشخصية على هذا الأساس. كل ما سبق لا ينفي بل يؤكد بأن فصائل المقاومة أتقنت إدارة المعركة السياسية والعسكرية بجدارة غير مسبوقة، فسلبت من آخرين بريقاً لم يكونوا يستحقونه.