17 سبتمبر 2025
تسجيلتكاملنا الخليجي لا يزال دون المستوى المؤمل لكل أبناء الدول الست الذين حلموا طويلاً بالوحدة واندماج المؤسسة فيما بينها ليصار التعامل مع كل خليجي في أي دولة كمواطن دون استثناء من أي خدمة أو تعامل في مجالات التملك والتجارة والعمل وحتى المعالجة في المستشفيات. وفي إطار السعي إلى الوحدة الخليجية التي أعلن المضي نحوها في اجتماعات القمة لقادة الدول الست ووجود بعض التباين في الرؤى حول ذلك الهدف ربما لاعتبارات سياسية وسيادية تحكم القرار في بعضها؛ وهو حق مشروع لكل دولة وفقاً لسيادتها رغم أن الوحدة في وقتنا الراهن وما تشهده المنطقة من أحداث ومتغيرات تفرض نفسها كضرورة إستراتيجية لمواجهة المستقبل وتحدياته لاسيَّما في الجوانب السياسية ولتكون ثمرة يبشر بها المواطن بعد عقود طويلة من التعاون والتنسيق. ومع انتظارنا الطويل أنا وأنت وكل خليجي للوحدة والشوق لتلك اللحظات التي نعبر فيها الحدود بين دولنا دون بوابات أو حواجز يبقى بعض الأمل فقط لمجرد الوصول إلى مستويات التكاملية في التعامل البيني. فأحدهم وهو من دولة خليجية شعر بالحمى وهو يزور دولة خليجية أخرى عضو في مجلس التعاون تماماً مثل بلده التي قدم منها فذهب صوب أقرب مستشفى حكومي في بلد الزيارة يحمل مع تعب الحمى شعوراً بالفرح بتجربة العلاج في ذلك المستشفى الفخم سوى أنه تفاجأ بعدم إمكانية معالجته أو حتى مجرد الكشف الأولي عليه بسبب عدم مواطنته وعدم توافر بطاقة تأمين صحي لديه حتى شعر الرجل بالعدم والمهانة إلى جانب رجفة الحمى فأخذ يهذي ليس بسبب حالته المرضية فقط بل بسبب الغثيان الذي حل لحظتها عليه وهو يستعيد كلمات تلك الأغنية الشهيرة التي ينشط بثها في إذاعاتنا وتلفزيوناتنا الخليجية أثناء كل اجتماع أو قمة تجمع قادتنا وهي تقول كلماتها " أنا الخليجي وأفتخر أني خليجي. ويكمل مرددوها الله أكبر يا خليج ضمنا. مصيرنا واحد وشعبنا واحد " عموماً صاحبنا المحموم خرج وهو يجرجر أقدام جسده المثقل بالحمى وليحمل معها الغثيان وحجم كبير من الإحباط بعد أن سقطت من فكره لحظتها كل دواعي التعاون والوحدة وكل ما قيل وقال عن مصيرنا المشترك الذي لم يستوعب أو يصمد أمام بعض الحمى الطارئة ولو بقليل من المسكنات فذهب بعدها إلى مستشفى خاص للمعالجة بالنقد الذي لم يكن ضمن العملة الواحدة والمتعثرة أيضا وهو لا يلوي إلى شيء سوى إسعاف حالته للعودة إلى بلاده سريعاً واثقاً أن تلك الحقن التي تلقاها وإن أعانت جسده على الصمود إلا أنها لن تستطيع أن تزيل وهن الإحباط الكبير الذي شق ثقته في مشروعنا الخليجي الكبير نحو الوحدة أو حتى مجرد العناية ببعضنا. تلك حالة لا أكتبها من خيال بل كانت واقعاً معاشاً لأحدنا حرم فيها من مجرد المعالجة البسيطة بينما إعلاميات دولنا لا يشق لها غبار وهي تنعت مساهماتنا هنا وهناك في مختلف الدول والقارات وتنعتها بالإنسانية والواجب تماماً كما يتشدق إعلامنا بمجريات التعاون والتكامل البيني بيننا. أيضاً صاحبنا المحموم ربما هو أكثر حظاً من غيره ممن جربوا تعاملات التجارة والتملك أو التوظف في دول الخليج فليس هناك معاملة كالمواطن الأصلي بل هناك سلسلة عقد وإجراءات طويلة ربما لم تكن موجودة قبل قيام مجلس التعاون فيخال للمرء أن تلك التنظيمات إنما جاءت لتجعل المواطن الخليجي أكثر ممارسة للبيروقراطية وسلسلة المعاملات الطويلة والشعور بالتفرقة. لذلك على مجلسنا الخليجي أن يعيد النظر في مسمى التعاون بل عليه أن يعيد النظر في مشروع الوحدة الكبير فهناك مسلمات بسيطة بيننا يجب أن تعالج قبل أن تستفحل الحمى.