17 سبتمبر 2025
تسجيليعتبر لبنان من البلدان القليلة في العالم التي تنحدر من أعلى إلى أسفل، خلافا لأغلب الدول النامية التي تتحسن فيها الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية جيلاً بعد جيل. وما يزيد المفارقة غرابة أن لبنان كان يتصدر الدول العربية مطلع السبعينيات في مؤشرات النمو السريع حتى أنه كان يقارب بمستويات المعيشة الموجودة في كثير من دول الاتحاد الأوروبي اليوم مثل إيطاليا وإسبانيا وقبرص وغيرها.. فقط ثلاثون عاما ونيف من التحولات التي طرأت، دفعت البلد ليصبح من أكثر بلدان العالم تخلفا وترديا في الأوضاع الأمنية والسياسية والاجتماعية. ففي مدينة طرابلس التي سقط فيها الأسبوع الماضي 18 قتيل وما يربو على مئة جريح في عنف طائفي، تتحدث الأرقام عن وجود ما نسبته ٢٠ % من الأمية في ثاني أكبر المدن اللبنانية بعد العاصمة بيروت، وما بين ٤٠ إلى ٦٠ % من شعبها بعيش دون خط الفقر في هذه المدينة التي كانت تلقب يوماً بمدينة العلم والعلماء والتي كانت صاحبة الصيت في أزمنة المماليك والسلاجقة. يكاد يكون لبنان الدولة الوحيدة في العالم العربي الذي توجد فيها ميليشات مسلحة وأجنحة عسكرية تضاهي ما لدى الدولة ومؤسساتها الأمنية من نفوذ وقوة.والأغرب منه أن تقوم الدولة في بعض الأحيان بالتفاوض والتنسيق مع هذه العائلات من أجل ضبط وضع أمني أو تسوية قضية لشخصية مخالفة للقانون في أعمالها. جميعنا يتذكر كيف أقدمت عائلة قبل أسبوعين على اختطاف العشرات من السوريين إضافة لشخص تركي، وتبنت ذلك، مؤكدة امتلاكها جناحا عسكريا بحوزته أسلحة متنوعة بما فيها صواريخ مضادة للطائرات، ثم توالت البيانات التي تتحدث عن جماعات مسلحة منتشرة هنا وهناك، تهدد وتتوعد قيادات سياسية لبنانية وسورية معارضة بالملاحقة والتضييق. فقط في لبنان، تسمع نائباً يقول لو كان ميشال سماحة (الوزير المعتقل على خلفية نقل متفجرات من سوريا إلى لبنان) سنياً أو شيعياً، لما تجرأ أحد على اعتقاله! فقط في لبنان، تتوسط شخصية سياسية كبيرة لدى عشيرة مسلحة تبنت خطف العشرات من السوريين أملاً في تمثيلها بالمفاوضات التي ترغب العائلة بإجرائها من أجل إطلاق سراح ابنها المختطف في سوريا! فقط في لبنان، يبرر رئيس كتلة برلمانية لأحدهم نقل متفجرات من دول مجاورة إلى لبنان، خدمةً لحليف سياسي! فقط في لبنان، تجد من يتجرأ على رئيس الجمهورية، متهماً إياه بالخروج عن الثوابت الوطنية، لأن الأخير أراد استفسارا من الرئيس الأسد حول حقيقة تورط قيادات أمنية سورية في عمليات تخريبية ضخمة تطال السلم الأهلي في لبنان. ما يمكن الحديث عنه في هذا البلد، أن الحس الوطني تلاشى إلى ما دون العدم، وأن لا أحد يعيش بعقلية الدولة، ولا يؤمن بها خارج حدود مصالحه الشخصية والفئوية. يفتقد لبنان إلى المواطن المتجرد من الحسابات المناطقية والطائفية والمذهبية، المستعد للتضحية بالقليل من أجل المجتمع الذي يعيش فيه. لقد بات السلاح هو الضامن الوحيد لحماية أصحاب المنطق الطائفي والفئوي في الاستمرار وجني المكتسبات الخاصة، ولا يمكن لهذا أن يستمر إذا ما تعافت الدولة، ومن هنا نفهم لماذا الأغلب الأعم من المجتمع المسلح لا يريد لهذه الدولة أن تتعافى، وأعذاره لا تتوقف أبدا، وهي لوهنها أحيانا تثير الاشمئزاز أكثر من الضحك حين يقول أحدهم إن دعوات تسليم السلاح للجيش اللبناني هو لتوريط الجيش غير القادر على استيعاب هذا السلاح، والهدف من هذه الدعوات القضاء على المؤسسة الأمنية الوحيدة التي يجتمع حولها اللبنانيون، دون أن يشرح لنا كيف أن السلاح حين يكون بيد غير يد المؤسسة العسكرية قد يحمي الجيش والدولة ويثبت أركانها؟ أصحاب المنطق الطائفي فقط هم من يعجبهم هذا الكلام ويقنعهم، لا لشيء سوى أنه يحاول إقناع المواطن أن انتشار السلاح هو من يحمي السلم الأهلي في البلد، وليست المؤسسات الأمنية.. هنا نختم بتساؤل: عن أي مستقبل لهذا البلد يتحدثون حين يكون انتشار السلاح هو الضامن الوحيد للسلم الأهلي؟.