19 سبتمبر 2025

تسجيل

الاقتصادات.. وتداعيات أحداث البحر الأحمر

01 أغسطس 2024

تداعيات كثيرة تلقي بظلالها الكئيبة على الاقتصاد نتيجة لاستمرار الحوادث المتفرقة التي تتعرض لها السفن والشاحنات أثناء مرورها من باب المندب إلى البحر الأحمر تحت مسميات وأسباب وأهداف متباينة منها المعلن وغير المعلن، ومنها استهداف السفن التي تملكها أو تشغلها شركات إسرائيلية أو تنقل بضائع من إسرائيل أو إليها، تضامنا مع قطاع غزة، وذلك في إطار التوترات الجيوسياسية في أماكن جغرافية مختلفة على خريطة العالم منها الطرق البحرية ولعل أهمها في المنطقة العربية مضيق باب المندب مدخل البحر الأحمر إلى قناة السويس، وتهديد التجارة العالمية، والسؤال الحائر هو حول مقصد ودوافع جماعة الحوثي الحقيقية من هذه الهجمات وهل هي تساعد في القضية الفلسطينية فعلا وعلى أرض الواقع وتضُر بإسرائيل أم أن لها دوافع وضغوطا اقتصادية على بعض الدول ؟ وبإيعاز من أطراف إقليمية ودولية تستثمرها في تحقيق مصالحها الخاصة وتسهم في تركيز التواجد العسكري للقوات الأجنبية في المنطقة تحت شعار « حارس الازدهار»، التي أغفلت أو تغافلت عن تقليم أظافر جماعة الحوثي – وهى قادرة على ذلك - باستثناء بعض الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية لم تؤثر على القدرات العسكرية للحوثيين. وقد واكبت الهجمات المتصاعدة على السفن في البحر الأحمر منذ نوفمبر 2023 تفاقم الاضطرابات الموجودة بالفعل في البحر الأسود بسبب الحرب في أوكرانيا، وتحويل المفوضية الأوروبية 1.5 مليار يورو من الأرباح من استثمار الأصول الروسية المجمدة لشراء الأسلحة لأوكرانيا لمحاربة الدولة صاحبة هذه الأموال ما يعني المساهمة والمساعدة في تأجيج الصراع في تلك المنطقة الذي يؤثر على سلاسل إمداد المواد الغذائية الرئيسية ومكونات الصناعات التحويلية وزيادة أسعار الشحن التي قفزت بنحو 200 % وتكاليف التأمين، وترجمة ذلك مباشرة في زيادة الأعباء المالية على ميزانيات الدول والأفراد والمعاناة من عشوائية الأسعار التي تبدو جلية في ظاهرة الغلاء خاصة في الدول التي تعمد على الاستيراد من الخارج تضطر الحكومات والشركات إلى نقل التكاليف إلى العملاء، الذي يؤدي بالتبعية إلى ارتفاع التضخم بشكل تصاعدي، في الوقت الذي تؤكد فيه التقارير الدولية تُكبد اقتصاد مصر- أكبر المتضررين - خسائر بسبب تهديد الملاحة في البحر الأحمر بنحو 508 ملايين دولار من إيرادات قناة السويس بسبب التهديدات المستمرة لحركة الملاحة من قبل الحوثيين وتراجع العائدات بنسبة 44% في شهر يناير الماضي بعد أن قامت أكبر شركات الشحن العالمية بتحول مسار سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح وهو المسار الأبعد حول القارة الأفريقية، لتجنب هجمات الحوثيين المتكررة وغير المتوقعة، وتحمل رفع تكلفة الوقود وعدد أيام المرور. ومن هنا فإن الاقتصاد المصري في موقف لا يحسد عليه بعد أن أصيب بضربات متتالية بعضها من نيران صديقة وبعضها من تأثيرات خارجية ألقت بظلالها السلبية، على مختلف القطاعات الخدمية والإنتاجية والسياحية، التي من المتوقع أن تتراجع إيراداتها بشكل كبير، خاصة إذا ظلت مخرجات النظام الاقتصادي غير قادرة على معالجة انخفاض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، في ظل رهن بعض مؤسسات التمويل الدولية تقديم القروض الجديدة لمصر مقابل إصلاحات سياسية واقتصادية تعتبرها ضرورية. وبعد أن أصبح الوضع الراهن في منطقة البحر الأحمر معقدًا للغاية ويفرض مزيدًا من المخاوف الأمنية حول سلامة الطواقم والبحارة والسفن العابرة في ظل تعرض بعض السفن للهجوم خلال مرورها من بحر العرب وخليج عدن إلى باب المندب. لذلك توقعت شركة الشحن العالمية «ميرسك»، بأن تحويل مسار سفنها بعيدا عن مضيق باب المندب يمكن أن يستمر حتى نهاية العام الحالي، فيما أكد الرئيس التنفيذي لمجموعة «إم إس سي»، استعداد المجموعة للعودة مرة أخرى للعبور من قناة السويس فور استقرار الأوضاع الأمنية في منطقة البحر الأحمر وباب المندب، بعد تعليق جميع عملياتها في البحر الأحمر منذ 26 يناير الماضي، لذلك فرضت الأزمة الراهنة مزيدًا من التحديات على سلاسل الإمداد العالمية وحركة التجارة العابرة لقناة السويس وعلى موانئ البحر الأحمر بما فيها ميناء إيلات الإسرائيلي وميناء الحديدة اول المتضررين والذي نتجت عنه تأثرات سلبية على الاقتصاد والمواطن اليمني أيضا، وما يزيد من التوتر العالمي هي المخاوف القائمة من توسع دائرة الصراع على الجبهة السورية اللبنانية كما لم تسلم اقتصادات الدول الأوروبية من التأثيرات السلبية لهذه الأزمة، حيث أدت ارتفاعات أسعار الشحن إلى نقص بعض المنتجات في عدد من بلدان أوروبا.