11 سبتمبر 2025

تسجيل

هلال الكواري الذي عرفته

01 أغسطس 2022

رحل بالأمس أخي الغالي هلال بن جهام الكواري… أخي المعلم والموجه، قبل أن يكون رئيسي بالعمل، أو زميلا وأخا كما عاملني دائما. رحل بوعبدالعزيز تاركا إرثا كبيرا في قطر يتحدث الجميع عنه منذ سنوات وقبل رحيله، وسيستمر الحديث… رحل ونحن نرى مشاريعه التي عمل عليها لسنوات، تعتبر اليوم من أجمل المشاريع في قطر، وتعتبر أكثر المشاريع إبرازا لاسم قطر على مستوى العالم. رحل تاركا خبراته ومشاريعه موزعة على قطاعات الدولة المختلفة، مرورا بمشاريع البترول والطاقة والرياضة والثقافة والطرق والحدائق وآخرها استادات كأس العالم وغيرها من المشاريع العديدة التي لم تذكر. خلال عملي معه لمدة 17 سنة مديرا لمكتبه رحمه الله أشهد الله أنه كان مثالا للأمانة والصدق واحترام العمل والموظفين باختلاف مستوياتهم، فمنذ عرفته كان يعمل ستة أيام أسبوعيا، يحضر لمكتبه الساعة السادسة صباحا ويغادر مع غروب الشمس… متنقلا بين مكاتب مختلفة، أسباير وكتارا وأشغال ولجنة المشاريع والإرث. رحل بوعبدالعزيز ولا أذكر أنه أخذ يوما واحدا من إجازته السنوية، حتى في فترة مرضه التي استمرت عشر سنوات، فإجازته كانت للعلاج فقط. صمت بوعبدالعزيز عن الكلام قبل سنوات بعد إجرائه عملية جراحية فقد على إثرها صوته، واستمر بالعمل كما كان، بحضور الاجتماعات والإشراف على المشاريع. خسر ما يقارب نصف وزنه نتيجة للعمليات الجراحية المستمرة وما زال صامدا على طاولة اجتماعاته اليومية التي يعرفها جميع من تعامل معه، وما زال متنقلا بشكل يومي بين المشاريع رغم اختلاف أماكنها. في عام 2014 ومع يقينه بحاجته للسفر باستمرار لتلقي العلاج طلب مني إيجاد طريقة باستخدام التكنولوجيا لمتابعة جميع المشاريع ونقاش المهندسين حتى في حال تواجده على سرير المرض، وهذا ما حصل تماما. فكانت هذا المشاريع وإنهاؤها همه الأكبر، رحمه الله. وبعيدا عن المشاريع وطريقة إدارته الفذة لها فعلى الجانب الإنساني والأخلاقي تحضرني الكثير من اللحظات والمواقف والتي لا تنسى والتي أثرت بي كثيرا في طريقة تعامله معها. مع بداية عملي معه بمشروع المدينة الرياضية الذي كان يديره وفي بداية عام ٢٠٠٦ وقبل استضافة دولة قطر لدورة الألعاب الآسيوية، حدثني الأستاذ محمد المري، رئيس تحرير صحيفة الوطن ورئيس القسم الرياضي حينها، بأنه يريد إجراء لقاء صحفي مع المهندس هلال وتخصيص صفحتين كاملتين لطرح معلومات كاملة عن مشاريع ومباني دورة الآسياد وخصوصا المدينة الرياضية، فطرحت الموضوع حينها على بوعبدالعزيز، والذي أجلسني حينها أمامه مبديا اعتذاره، واكتفى بتوفير جميع المعلومات والصور المطلوبة عن المشاريع بدون ذكر اسمه، بل نسب جميع المشاريع للمهندسين الذين عملوا بها ووضع صورهم بالصحيفة، فعرفت حينها أني أمام مسؤول استثنائي لن تظهر صورته عبر الصحف لاحقا… وكان هذا منهجه طوال فترة عملي معه، حتى أكرمه سمو الأمير حفظه الله بقص شريط افتتاح أول استادات كأس العالم ليعلن للعالم أجمع جاهزية قطر لاستضافة كأس العالم، فعرف الجميع في قطر وخارجها هلال في تلك اللحظة. ومن القصص المؤلمة ما ذكره لي الدكتور سعود عبدالغني المهندس المشرف على تبريد ملاعب كأس العالم.. وكان هلال رحمه الله قد عاد للتو من رحلته العلاجية.. والتي فقد على إثرها صوته نتيجة لعملية بالحنجرة، يذكر لي الدكتور سعود أنه كان يتحدث في ذلك اليوم مع بوعبدالعزيز عبر الهاتف عن مشكلة بأحد المشاريع، فطلب منه رحمه الله تجهيز تقرير عن المشكلة، والتواصل معه عبر برنامج الواتساب بعد يومين لمناقشة المشكلة… والسبب وبكل هدوء، أنه سيدخل غرفة العمليات بعد ساعات قليلة ولن يتحدث بعد اليوم بالهاتف، لأنه سيفقد صوته نتيجة للعملية الجراحية… والغريب كما يذكر الدكتور سعود أنه تم مناقشة الموضوع وحله بعد يومين لكن بدون صوت… فالمشكلة لا تحتمل التأخير، هكذا كان رحمه الله. كان رحمه الله يولي المهندسين القطريين الشباب اهتماما كبيرا بدعمهم وتوظيفهم ومتابعة جميع أفكارهم… كما كثف من توظيفهم وتوزيعهم على جميع المشاريع بأسباير وكتارا ولجنة المشاريع والإرث خاصة بعد عودته من أول رحلة علاجية في عام ٢٠١٤ حيث كان يذكر رحمه الله … يجب أن لا تتوقف هذه المشاريع عند رحيلي، حيث كان مكتبه اليومي والذي يعتبر طاولة اجتماعات تعج بالخرائط والتقارير ولقاءات العمل المستمرة والتي كانت بمثابة دروس وخبرات ينقلها للموظفين. كان بوعبدالعزيز رحمه الله مبدعا في إدارة وقته بطريقة عجيبة، فلم يمنع أحدا يوما من مقابلته، متعذرا بانشغالاته الكثيرة، وهو ما أكده عليَّ من بداية عملي معه، أن للجميع حق مقابلتي، وطرح ما يريد، فلم يرَ أحد بابه مغلقا أبدا. ومن معرفتي الشخصية والعائلية به أعلم أنه لم ينقطع يوما عن زيارة والده بمنزله إضافة لقيامه بواجباته العائلية ومتابعة أبنائه رغم انشغالاته الكثيرة. رحل بوعبدالعزيز ولم يبحث أبدا عن منصب أو مسمى أو كرسي بالصفوف الأولى للفعاليات والمهرجانات وإن كان حضوره قليلا لها. كان يطلب رحمه الله كتابة اسمه بمسمى المهندس هلال الكواري بجميع الكتب الرسمية حتى بعد تكريم سموه بمنحه درجة وزير قبل سنوات. رحم الله بوعبدالعزيز الإنسان الطيب الخلوق المتواضع المحب لقطر والقطريين يحضرني في هذه اللحظة وحديث كل قطر عن سيرته العطرة على الجانب المهني والأخلاقي وجاهزية قطر لاستضافة كأس العالم بعد أشهر بيت شعر لأمير الشعراء أحمد شوقي وكن رجلاً إن أتوا بعدهُ.. ‏ يقولون مرّ وهذا الأثر ! هذا هلال الذي عرفت ‏ رحمك الله أخي الغالي