29 أكتوبر 2025

تسجيل

إعلان حالة الطوارئ في تركيا من منظور حقوق الإنسان

01 أغسطس 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); فتح إعلان تركيا حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر الباب أمام جدل سياسي كثيف، غطى على معظم زوايا التغطية الصحفية الإخبارية والبرامجية لما بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي تعرضت لها تركيا. قد يكون مبررا تخوف بعض جماعات المعارضة الداخلية والمجتمع المدني في تركيا، كونهم تصدوا للمحاولة الانقلابية جنبا إلى جنب مع رئيس الحكومة المنتخبة دفاعا عن الديمقراطية التي تضمن لهم الحرية والتبادل السلمي للسلطة في زمن صارت فيه الانقلابات وإعلان حالة الطوارئ الممتدة دون تقييد أثرا من الماضي إلا في دول لا يتجاوز تعدادها أصابع اليد الواحدة حول العالم. ولعل التخوف من إعلان حالة الطوارئ والجدل حوله يعود في الغالب الأعم لسببين. السبب الأول أن التجربة المريرة للأتراك أنفسهم مع الانقلابات العسكرية وحكم العسكر، والتجارب الماثلة في محيط تركيا، وما جرى فيها من انقلابات قضت على آمال الشعوب في الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وجعلت من تمتع شعوبها بالحرية أملا بعيد المنال. والسبب الثاني يعود إلى ضعف ثقافة النخب السياسية وحتى الكثير من النشطاء حول مدلولات إعلان حالة الطوارئ، والقيود التي يجب الالتزام بها عند اتخاذ مثل هذه القرارات المؤثرة. كما لعب الإعلام الدولي والمحلي دورا مؤثرا في تكثيف سحب ملبدة بالغيوم هطلت على الجمهور بمعلومات منقوصة وتفسيرات متضاربة كادت تعطي انطباعا بأن إعلان حالة الطوارئ سيشكل بداية ردة عن طريق الديمقراطية، وسيفتح المجال لانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان. وفي مثل هذه الأوضاع يكون من الأهمية بمكان تسليط الضوء على إعلان حالة الطوارئ من منظور القانون الدولي لحقوق الإنسان، وما يفرضه من التزام على المستوى المحلي، وتوضيح المرجعية التي تستند إليها المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية في مناشدة الدولة بعد اللجوء إلى إعلان حالة الطوارئ وحدود تدخلاتها السياسية. ضمانات حماية وتعزيز حقوق الإنسان في حالة الطوارئ ارتضت الدول الأطراف في المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان بكامل إرادتها الالتزام بمسؤولية احترام وحماية ووفاء حقوق الإنسان، وكفالة التمتع التام بها لشعوبها في مقابل احترام الأفراد حقوق الآخرين عند ممارستهم حرياتهم وحقوقهم الأساسية. ونهضت لأجل ذلك آليات حماية دولية ومحلية لتراقب وترصد مدى التزام الدول بتوفير ضمانات التمتع التام بحقوق الإنسان للجميع وعلى قدم المساواة. ولم يدع النظام الدولي لحقوق الإنسان مجالا لإهدار أو انتقاص الحقوق والحريات التي تم إقرارها للبشرية جمعاء، حتى في أوقات الطوارئ العامة التي تهدد حياة واستقرار وأمن الأمة. وقد نصت المادة الرابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على جواز إعلان الدولة حالة الطوارئ، ولكن فرضت على الدولة المعلنة إبلاغ الدول الأطراف الأخرى عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة بالأسباب التي دعتها لإعلان حالة الطوارئ، وتحديد الأحكام أو الحقوق والحريات الواردة في المعاهدات التي لن تتقيد بها، ومدة سريان حالة الطوارئ، وتاريخ رفعها. وبذلك يعتبر إعلان حالة الطوارئ إجرءاً استثنائياً لتقييد بعض الحقوق والحريات، بشرط ألا ينطوي هذا التقييد على أي تمييز يكون مبرره فوارق عرقية أو دينية أو جنسا أو لغة أو أصلا اجتماعيا، أو يفتح بابا للتنصل من الالتزامات القانونية والأخلاقية التي نصت عليها الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، بما يمس الكرامة الإنسانية المتأصلة لكل الناس. تعتبر تركيا من الدول الأطراف القلائل في المنطقة التي وافقت على الالتزام القانوني والأخلاقي بالمعاهدات الدولية الأساسية لحقوق الإنسان، وإن جاءت موافقتها "بالمصادقة أو الانضمام" على هذه المعاهدات خلال الثلاثة عقود الماضية، وفقا للتسلسل الزمني التالي: * الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في 20 ديسمبر 1985م. * الاتفاقية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في 2 أغسطس 1988م. * والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في 4 أبريل 1995م. * الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري في 16 سبتمبر 2002م. * والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 23 سبتمبر 2003م. * والاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم في 27 سبتمبر 2004م. * والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في 2 مارس 2006م. * والاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة 28 سبتمبر 2009م. ووفقا لما تقدم يمكننا تفسير موافقة تركيا على هذه المعاهدات في الفترة من 1995م إلى 2012م، من زاويتين: الزاوية الأولى: تعبر موافقات تركيات عن إرادة ساسية للحكومة واستعدادها لإتاحة طرق الانتصاف إلى أقصى مدى. والزاوية الثانية تعبر عن نضج الشعب ومؤسسات المجتمع المدني التركي المعنية بحماية وتعزيز حقوق الإنسان وقدرتهما على الضغط والتأثير. وفي كلتا الحالتين فإن المستفيد الأول هو الدولة حكومة وشعبا. وإقرارًا من تركيا برغبتها في تحقيق الشفافية والمساءلة في احترام ووفاء وحماية حقوق الإنسان. إلى جانب تقديم تركيا تقاريرها الأولية والدورية لهيئات المعاهدات، وبموجب الإجراء الدوري الشامل لمجلس حقوق الإنسان. وقد تلقت تركيا ملاحظات وتوصيات هذه الهيئات حول أوجه القصور التي وجب عليها معالجتها وتتعلق بضرورة رفع مستوى وعي العاملين في القضاء وفي المهن القانونية وعامة الجمهور بأحكام العهد الدولي بالحقوق المدنية والسياسية، وتعزيز ضمانات حماية حقوق الإنسان على المستوى الوطني بدءا من دعم استقلالية المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، استنادا إلى مبادئ باريس، والعمل على حماية وتعزيز حرية الصحافة وحقوق الصحفيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان. ختاماً: قدمت لنا التجربة التركية بتصدي الشعب إلى جانب الحكومة للانقلاب، مساحة جيدة للبحث والتقصي الفعال للحقائق التي يتطلع الجمهور لمعرفتها في بلد عرف بتعدد أعراق وثقافات شعبه.