31 أكتوبر 2025

تسجيل

مستقبل القضية الفلسطينية

01 أغسطس 2015

هل ما زالت القضية الفلسطينية على رأس أولويات النظام العربي الرسمي ومعه تيارات الإسلام السياسي؟ سؤال يطرح وسط كمٍّ من التصريحات الرسمية وتغطيات الصحف وبرامج التوك شو التي تملأ الفضائيات العربية، والتي في أغلبها تتركز حول القضايا الداخلية للدول أو القضية التي تشغل العالم أجمع وهي مواجهة الإرهاب!. لا شك أن الصراع العربي الإسرائيلي مرّ بمراحل متعددة ومتباينة انتهت إلى ما يشبه السلام الصامت بين الطرفين وسط زحمة الأحداث التي تعتبر أكثر إلحاحا لدى صانع القرار العربي. وتعتبر اللحظة التاريخية الفارقة في هذا الصراع هي توقيع مصر لاتفاقية السلام مع إسرائيل بشكل منفرد عام 1979، حيث خرجت من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي. منذ ذلك اليوم، ترتيب أعداء مصر الخارجيين لم تعد إسرائيل على قائمته، ومع خروج مصر فرط عقد التحالف العربي ضد إسرائيل، وانتهى عهد الحروب العربية باستثناء الراية التي حملتها قوى مقاومة في فلسطين ولبنان، وهي قوى شعبية وليست رسمية. بعد تشكل التحالف الدولي لإخراج العراق من الكويت في التسعينيات، أراد الغرب التحرك باتجاه حلّ سياسي للقضية الفلسطينية، فبدأت المشاورات، وانتهت باتفاقيات أوسلو، وبدأت سياسات الغزل المتبادل بين دول عربية وإسرائيل. ولخلق مناخ جديد بين العرب وإسرائيل، حثت الولايات المتحدة دول المنطقة على نبذ الأفكار المعادية لليهود والغرب. وبدأت المبشرات بولادة شرق أوسط كبير تلعب فيه إسرائيل دور العراب، نتج عن ذلك ابتعاد كثير من النظم العربية عن دعم المقاومة الفلسطينية، والتوجه نحو دعم مشروع أوسلو وتفاهمات مدريد. وقد مضى عقد كامل راوحت المفاوضات محلها. وحصلت إسرائيل خلاله على اعتراف من الدول العربية في حين لم تعترف بحق الفلسطينيين في وجود دولة حقيقية لهم. جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001 التي نفذها عدد من الجهاديين العرب، لتفتح فصلاً جديدا في القضية الفلسطينية. شرع الرئيس الأمريكي جورج بوش بالحرب على الإرهاب وتوجه نحو إعادة رسم معالم الشرق الأوسط على أسس جديدة، داعيا القيادات العربية إلى تجفيف منابع الجمعيات الخيرية التي تدعو للجهاد، كما دعا لمواجهة الفكر السلفي المتشدد. شعرت يومها السعودية بحرج تجاه الولايات المتحدة، فأرادت ترميم العلاقة مع واشنطن من خلال طرحها ما بات يُعرف بالمبادرة العربية للسلام التي طرحها الملك عبد الله حين كان وليا للعهد في قمة بيروت عام 2002. نصت المبادرة على الاعتراف بإسرائيل مقابل الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود 1967. لم تتبن إسرائيل المبادرة ولم تعترف بها في حين تعامل العرب مع إسرائيل على أسس أخرى تماما. ثم جاء العدوان الأمريكي على العراق عام 2003 فأزاح القضية الفلسطينية عن المشهد العربي تماماً. وقد خسرت القضية الفلسطينية وهجها مع تصارع المحاور على الأرض العراقية وتزايد نشاط جماعات الجهاد العالمي. بعد موجات الثورات والاضطرابات التي ضربت العالم العربي، أغلب النظم العربية اتجهت إلى الخطر القادم من الداخل، وتحديدا مطالب الشعوب وتحركاتها. وتحولت القضية الفلسطينية من قضية عربية وإسلامية إلى قضية إنسانية تنحصر بتعويضات وتسهيلات للفلسطينيين. كما أن إسرائيل لم تعد عدوا مؤكدا لأغلب النظم العربية. وقد وجد بعضها في تل أبيب وسيطا لإصلاح علاقاته بدوائر صنع القرار في الغرب. بات مفهوم دعم القضية الفلسطينية حاليا ينحصر في دعم اتفاقات السلام القائمة أساسا على الاعتراف بإسرائيل وإسقاط خيار المقاومة المسلحة وتبني مسار المفاوضات السياسية دون تحديد سقف زمني له مع التلويح بإمكانية التنازل عن بعض الثوابت التاريخية. وإذا كان هذا هو حال النظم العربية، فإن الأمر ليس بأفضل كثيراً عند أغلب تيارات الإسلام السياسي، حيث انزاحت هذه الجماعات بشكل غير مقصود أو واع نحو التركيز على قضاياها الداخلية، وتبدلت أولوياتها من التوجه نحو فلسطين لتحريرها إلى ضرورة تغير النظم العربية، تمهيدا لإنشاء تحالف إسلامي يفضي إلى تحرير فلسطين. أما تيارات الجهاد العالمي (القاعدة وأخواتها) فتحولت هي الأخرى من حركات ترفع شعارات التحرر من الاستعمار إلى حركات تخريب وتطرف وتطهير فكري وديني داخل المجتمع العربي المسلم نفسه. ويتحول السؤال في نهاية المطاف عن حجم الاهتمام بالقضية الفلسطينية إلى التساؤل بشأن مستقبل القضية نفسها في قادم الأيام.