17 سبتمبر 2025
تسجيلالانقلابيون في مصر ليس فقط يفكرون في فض الاعتصامات ومنع المظاهرات بالقوة؛ ولكنهم – وهذه حقيقة – قد قرروا ذلك بالفعل، وهذا ما صرح به (بشوية هبل) وزير داخليتهم الذي أعلن في مؤتمره الصحفي عقب "مجزرة المنصة" أن القرار جاهز ولكنه ينتظر الغطاء القانوني فقط!! هذا الأمر واضح، فالاعتصامات (بالأخص رابعة والنهضة) وبما يتخللهما من أنشطة فنية وإعلامية وما تصدرانه من رسائل داخلية وخارجية، وما تسقطانه كل يوم من رموز ومعاني الانقلاب وطنيا وأخلاقيا.. تتناقض كليا وألف بائيا مع فكرة الانقلاب وميكانزماته.. فأي انقلاب حتى ينجح ويستطيع قلب صفحة النظام الذي انقلب عليه لا بد له من أربعة مقومات؛ منها ثلاثة تتعلق بالداخل الوطني، والرابع هو الاعتبار الخارجي دوليا وإقليميا، وهو مترتب على تلك الثلاثة.. أما الثلاثة المتعلقة بالداخل فهي؛ أولا: أن يكون الإعلام معه فتصنع له هالة من القداسة والتخويف وتبرزه كنظام مستقر وحالة مستتبة.. ثانيا: أن يخضع الناس له خضوعا مطلقا ويتقبلوا الوقائع التي يفرضها عليهم عن حب أو عن كره.. ثالثا: أن يحتكر السلطة لنفسه ولتوليفته فلا تعود موضع تنازع أو تردد.. وأما الرابع والخارجي فهو: أن يعترف به العالم من دول وهيئات واتحادات ومنظمات عمليا في البداية ثم رسميا وبروتوكوليا.. السؤال هو: ما دامت الاعتصامات والمظاهرات متناقضة مع الانقلاب ومقتضيات نجاحه إلى هذا الحد؛ وإذا كان الدم المصري في عقيدتهم لا قيمة ولا قداسة له كما رأينا يوم الحرس الجمهوري والمنصة ورمسيس والإسكندرية.. وإذا لم يكن في وجدانهم احترام أو حرمة لرمضان أو للوطن أو للدين؛ وإذا لم يكن في خاطرهم الإبقاء على شعرة معاوية للتفاهم أو الصلح مع الخصوم (بدليل الانقلاب ذاته واستهدافهم خصومهم بالجملة وبكل هذه الوقاحة والمباشرة والعموم التي لم يعرفها التاريخ المصري كله منذ فرعون الأول الذي استهدف بني إسرائيل من رعاياه ولم يفتح حربا على كل المصريين كما يفعلون – أقول: فلماذا إذن ينتظرون كل هذا الوقت من بعد الانقلاب على اعتصامات رابعة والنهضة وعلى المسيرات؟ الجواب القطعي: هو لأنهم يخافون مما سيترتب على ذلك من انسياح الملايين في الشوارع إضافة للملايين الثائرة والتي لم تدخل أصلا بيوتها بعد الثورة.. هو إذن خوفهم من الثورة المصرية، ومما أنضجته في إحساس المصريين من قيمة للكرامة الإنسانية وخوفا مما أيقظته في المصريين من رفض للاستبداد والاستعباد الذي ذاقوا مرارته مورس منذ أن صارت مصر دولة – سوى بضع عشرات من السنين المتفرقة وتحت حكم الإسلام. الانقلابيون يعلمون أنهم لو تعدوا على الاعتصامات فقد ينالون قطعة الأرض التي عليها المنصة ولكنهم سيخسرون كل المحافظات وسيواجهون يوميا الملايين وسيفقدون السيطرة، وستدخل مصر بأمنها وناسها ومزاجها في حالة من السيولة وربما الحرب الأهلية والانفلات لا تتمناه إسرائيل ولا تتحمل عقابيله أمريكا ولا ترتق فتقه الأذناب وأموالهم الآثمة في المنطقة.. السؤال الآخر: هل هذا يعني أن الانقلابيين استسلموا لظاهرة الاعتصامات والمسيرات التي تخرج كل يوم وكل ليلة وفي كل شارع وقرية ومدينة ومحافظة؟. الجواب والقطعي أيضا: لا؛ ولكنهم وبرصد أقوالهم وفلتات ألسنتهم وما يقوله كتابهم قد بدأوا يهيئون للاعتداء بالقوة وهم يحاولون صنع وانتظار ثلاثة متغيرات.. المفروض أنهم إذا نجحوا في إيجادها سيقومون بكل ما ترسمه لهم مخيلتهم الباغية الآثمة دون تردد ولا انتظار وحتى لو قتلوا المئات والألوف؛ والمتغيرات الثلاثة؛ أولا: يأس الناس من إمكانية إعادة الشرعية، وتقبلهم العملي للانقلاب، فيقل الناس وتتلاشى الاعتصامات.. الانقلابيون هنا يعولون على معالجات الزمن، وفي سياقه تأتي قرارات نيابتهم اعتقال الرموز والخصوم الشعبيين الذين يثرون الاعتصامات وتتمحور حولهم الحشود.. ثانيا: تهيئة الرأي العام لتقبل مجزرة ضد الاعتصامات وهم يحاولون ذلك من خلال الادعاء بأنها محصورة في فئة الإسلاميين، ثم شيطنتهم إعلاميا، وباتهامهم بممارسة الجرائم وتهديد الأمن وفي هذا السياق تأتي الاعتداءات في سيناء والمنصورة التي يتردد أنها من صنع المخابرات الحربية بالتعاون والتنسيق مع إرهابيين تابعين لحركة فتح.. وفي ذات السياق أيضا ما يشيعونه عن وجود صواريخ ومدافع فوق أسطح البنيات في ميدان الاعتصام.. ثالثا - استكمال مجموعة إجراءات ذات طابع قانوني يحميهم – أي الانقلابيين - من الملاحقات القضائية مستقبلا فيما لو استرجع الشعب المصري ثورته ووضعهم تحت المحاسبة. السؤال الآن: هل هذه المتغيرات متسنّاة للانقلابيين أو في طرقها إليهم؟ الجواب وبالقطع أيضا لا – على الأقل حتى الآن – وذلك لعدة أسباب ؛ 1- أن الإسلاميين يكسبون كل يوم مزيدا من الرأي العام بالأخص من غير المسلمين وغير الإسلاميين وهم بإجادة بالغة يبرزون ذلك إعلاميا، 2- أن الإعلام المؤيد للشرعية لا يزال يعمل ويصل ويستطيع أن يرد الشبهات وينفي ما يحاول إعلام الانقلاب أن يسوقه منها (التنويه هنا بفضل فضائيات بعينها كالجزيرة واليرموك والحوار والقدس والزيتونة والمستقلة) 3- أن تحالف الدفاع عن الشرعية يقدم كل يوم رموزا إعلامية وشعبية جديدة وهيئات وفئات مصاغة بطريقة احترافية ومهنية (هنا برزت تماما قيمة التنظيم والإدارة والضبط والربط الذي يمتاز به تنظيم الإخوان المسلمين) 4- أن الشعب المصري وصل حدا من عشق الحرية والإحساس بقيمتها ومن الخروج والتضحية في سبيلها يمكن الاطمئنان إليه 5- أن الانقلابيين يقعون في أخطاء، بل خطايا، من قتل المواطنين وتناقض وفضائح الاتفاقات السرية مع "الإسرائيليين والأمريكان" ثم اعترافاتهم بأنفسهم وتصويرات مؤامراتهم.. كل ذلك يبقي في الذهن أن عزل "مرسي هو انقلاب ببعد مؤامرتي وليس ثورة ببعد شعبي 6- قيام مبادرات من جهات وسطية (بالمعنى السياسي والفكري) التي يرفضها الانقلابيون.. هذه الوساطات تفعل فعلها في استقطاب الرأي العام ضد الانقلاب، وعلى الشرعيين أن يحفزوها حتى لو منيت بالرفض لأنها تعري الانقلاب.. آخر القول: الانقلاب المصري لا يزال يتلبط في أوائله، ويتعثر في لحظة انطلاقه، وهو بين حيص الرضا بالمعارضة المفروضة عليه والتي تضرب ميكانزماته وتذكر بلا شرعيته، وبيص المواجهة الدموية التي ستطلق في وجهه عش الدبابير وتفلت عليه الأمور.. بالتالي فإن المستقبل للشرعية ما بقيت لديها القدرة على الاستمرار في الحد القائم حتى الآن وإن تأخر النصر قليلا..