14 سبتمبر 2025
تسجيلمذبحة النرويج كشفت الاختراق الاسرائيلي- الصهيوني لليمين في الثاني والعشرين من الشهر الماضي يوليو حصل تفجير في العاصمة النرويجية أوسلو أقل ما يمكن أن يقال فيه إنه حادث نادر في بلد هادئ، لكن تبعته مذبحة في جزيرة أوثويا على بعد خمسة وأربعين كيلومترا واستهدفت مخيما صيفيا لشباب جاؤوا من الاحزاب التقدمية حول العالم بدعوة من الحزب الحاكم في النرويج، حتى الآن يبدو أن الحدثين من فعل شاب واحد اسمه اندرس بيرينغ بريفيك، سرعان ما كشف أنه من بيئة اليمين المتطرف التي تعتبر وريثة التيارات الفاشية والنازية في أوروبا. لم يستفق الاعلام الغربي بعد من الصفعة العاتية التي وجهها إلى نفسه عندما تعجل اتهام جماعات إرهابية إسلامية بارتكاب الجريمتين اللتين قضى ضحيتهما ستة وسبعون شخصاً، صحيح أن أي عمل بهذه المواصفات الإرهابية لابد أن يضع تنظيم "القاعدة" في طليعة المتهمين. لكن وسائل الإعلام تجاهلت تحفظ الأجهزة الرسمية عن اطلاق أي اتهام، وتبرعت بالاشتباه الذي رأته بديهياً حتى إنها استذكرت مشاركة النرويج في التحالف الدولي في أفغانستان والتهديدات الإعلامية التي كانت توجه إليها وإلى سواها من الدول. كان الوقت القصير الفاصل عن معرفة الجاني كافيا لدفع اشخاص في شوارع العاصمة إلى الاعتداء أو محاولة الاعتداء على مهاجرين مسلمين، وحتى بعد اتضاح الحقيقة بقي الإسلام والمسلمون في قلب الجدل، خصوصا بعدما تبين أن المجرم وضع المذبحة التي ارتكبها في اطار جدل أكبر يدور حول الهجرة والمهاجرين وضرورة "انقاذ أوروبا" من المد الإسلامي الذي بات يسمى "الإرهاب السكاني" ورغم أن لليمين المتطرف في أوروبا أحزابا وأدبيات وخطاباً متعصباً وميليشيات يمكن مشاهدتها في التظاهرات التي ينظمها، إلا أن الإعلام الغربي ظل مائلا إلى رفض وجود ظاهرة خطيرة ينبغي أن نسلط الأضواء عليها ومحاولة التعرف إلى حقيقتها، أقله على غرار ما فعل ويفعل بالنسبة إلى الإرهاب الإسلامي. لذلك كان مستغربا مثلا أن ينكب المحللون على شرح خلفيات المذبحة استناداً إلى الألف وخمسين صفحة التي نشرها القاتل على الانترنت قبيل ارتكابه الجريمة، لم يجر التكتم على هذا النص، بل نشرت مقتطفات وأفكار رئيسية منه، لكن كانت هناك مصلحة ما لعدم التركيز عليها لماذا؟ لأنها ببساطة يمكن أن تكون محرجة لإسرائيل ولاصدقائها حول العالم، كما انها يمكن أن تكشف نشاطا ايديولوجيا صهيونيا قد تكون "مذبحة اوسلو" أولى ثمراته الفاضحة، في حين أنه سبق ان حقق بعض الحملات والانجازات في امكنة وملفات اخرى من دون ان يشير إلى أي اشتباه مباشر بتورط يهودي صهيوني، والمعروف عن احزاب اليمين المتطرف الأوروبية انها عادة تعادي اليهود والعرب معاً وعلناً اليهود للدوافع نفسها التي جعلت النازيين يستهدفونهم بـ"المحرقة" والعرب بسبب هجرتهم الكثيفة التي حملت معهم إسلاما ليصبح بمظاهره وتقاليده بمثابة تهديد لهوية أوروبا المسيحية، لكن جديد الحدث النرويجي وبطله بريفيك، قائد فرسان الحق كما يسمي نفسه نسبة إلى الفرسان الصليبيين إن بعض اليمين المتطرف أجرى مراجعة لسياساته وفكره وبات يركز على العداء للإسلام والمسلمين، ولاجل ذلك باتت لديه مرجعيات أخرى ليستند اليها. من أين غرف القاتل النرويجي ايديولوجيته الخاصة، التي لم يعد مستبعدا أن كثيرين يشاركونه اياها؟ صحيفة اسرائيل اليوم تجيب بعبارة واضحة انه "صهيوني متحمس" تراوح مدائحه بين "الحالم بدولة اليهود" بنيامين زئيف هرتزل، وبين قطبي الائتلاف الحكومي الحالي في اسرائيل زعيم الليكود بنيامين نتنياهو وزعيم إسرائيل بيتنا افيغدور ليبرمان، فبالنسبة إلى هذا المجرم المؤدلج تبدو ممارسات إسرائيل ضد الفلسطينيين مثالا يجب ان يحتذى، لذا فهو يحتقر الحكومات الاوروبية اولا لعدم تعاطفها مع اسرائيل، وثانيا لضعفها في مواجهة الهجرة والمهاجرين، يصعب الاعتقاد ان بريفيك شق طريقه الفكري بنفسه ومن دون توجيه، إذ فاجأ المطلعين على بيانه الطويل بعمق اطلاعه على مجريات السياسة الداخلية والخارجية لإسرائيل، وبما يوازيها من مواكبة ودعم في الولايات المتحدة، ولفتت خصوصا ملاحظة أوردها عن طبيعة الائتلاف اليميني الذي اقامه نتنياهو رغم يقينه بأنه "يغضب" الرئيس الامريكي ويمس بالعلاقات بين الدولتين، وبدا بريفيك متأثرا باعلام المستوطنين الاسرائيليين، منتهيا إلى خلاصات عدة ابرزها نقده منح الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات جائزة نوبل للسلام، وكذلك دعوته الى "وقف الدعم الطبي للفلسطينيين والشروع في دعم ابناء عمومتنا الحضاريين في إسرائيل". في أي حال يشكل مانيفستو القاتل زيارة مفصلة إلى كل رموز اليمين المتعصب، من دانيال بايبس إلى روبرت سبنسر وباميلافيلر اللذين خاضا الحملة على مشروع بناء مسجد ومركز إسلاميين بالقرب من موقع "غراوند زيرو" في نيويورك إلى الهولندي كيرت فيلدرز والباحثة البريطانية السويسرية باث ياورو صاحبة كتاب "اورابيا: المحور الاوروبي- العربي" وصولا إلى فيلم "الهوس: حرب الإسلام الراديكالي ضد الغرب" وهو يقارن التهديد الإسلامي الراهن بخطر المانيا النازية في ثلاثينيات القرن الماضي، وقد انتجت هذا الفيلم شركة مرتبطة بمجموعة "هاثوراه" اليمينية المتطرفة في إسرائيل. قد يكون الاستنكار القادم الذي تبع المذبحة هو ما حال دون اطلاق دعاية واسعة للنص الذي نشره القاتل، لكن بالنسبة إلى إسرائيل فان الرسالة وصلت وهي رسالة نقمة داخلية على تراجع التعاطف الاوروبي معها، ولكي تصل الرسالة بأقوى صيغة لم يستهدف القاتل تجمعا إسلاميا، بل تقصَّد مقر الحكومة وتجمعا نرويجياً، دولياً، بغية توجيه الجدل إلى السياق الذي يبتغيه أو يبتغيه مرشدوه. ليس معلوما إذا كان سينجح في هدفه الحقيقي، خصوصا انه اعترف بالقتل ولم يعترف بالذنب، والمؤكد انه سيحاول استخدام محاكمته لاطلاق محاكمة مضادة للتهاون الحكومي حيال "المد الإسلامي" الذي يجتاح البلاد، علما ان عدد المسلمين في النرويج، لا يتجاوز مائة الف من اصل خمسمائة وخمسين الف مهاجر معظمهم من أوروبا، لكن الظاهرة الابرز التي كشفتها المذبحة هي الاختراق الاسرائيلي- الصهيوني لصفوف اليمين المتطرف لاستخدامه في احراج الحكومات الاوروبية وارباكها، فهذه المذبحة يمكن ان تتكرر، ويمكن ان تستهدف عربا ومسلمين في المرات القادمة.