20 سبتمبر 2025
تسجيلقد يمر العام ودواخلنا تملؤها العتمة لا مجال لنور، ولا لشمس تبدد الحلكة الحالكة! قد يمر العام ونحن مشغولون بالركض خلف ما يلزمنا وما لا يلزمنا، خلف الممكن والمستحيل، خلف ما يمكن أن تطاله أيدينا وما لا يمكن أن نطاله ولا في الأحلام! يمر العام ونحن نتسابق على ما لا يستحق السباق، ونتعارك، ونتغامز، ونتلامز، ونتنابز بالألقاب من أجل أمور لا تزن جناح بعوضة، نقوم وننام وملء القلب غضب عنيد يغذيه إصرار على كسب (معركة) عيب أن نسميها معركة رغم علمنا بأن رحلة استضافتنا على كوكب الأرض لا تلبث أن تنتهي سريعا! قد يمر العام دون أن نلحظ أن الحب ينحسر، ينزوي بعيداً وكائن مطرود لا رغبة فيه، ودون أن نلحظ أن مسيره حياتنا كلها لا تسير على هدى وإنما تمضي من ارتباك إلى ارتباك، لأننا نسينا (البوصلة) في مكان ما ولم نحرص على أن نجدها لنصحح المسار! قد يمر العام والروح سارحة تائهة بين فيافي القفار تتخبط في طينها أو تهوي في جب سحيق أو تنساق لضياع لا يلبث أن يأخذها لضيعات! قد يمر العام دون أن نلحظ أننا خنا أماناتنا فقلنا زوراً، وطمسنا حقائق، واستنجدَنا الملهوف فلم ننجده، واستغاث الفاقد ولم ننقذه! قد يمر العام والعمر المرتبك لا يلوي على شيء، ولا يحفل بشيء، ولا يخطط لشيء، ولا يتأمل ما يستحق التأمل، ولا يبالي وهو يرى أن كل يوم يمضي يقضم من الأجل، ويقربنا من نهاية الدرب الذي يحتاج زاداً كثيراً ولكن قل الزاد! قد يمر العام وقد دفنا فيه الأحبة الأعزاء دون أن نلتفت إلى دورنا القريب أو البعيد، ولم نفكر قط على أي نحو ستكون النهاية، وإلى أي مصير ستحملنا إليه الخشبة الحدباء! قد يمر العام لنبتلى في أرزاقنا، أو بسقم أبداننا، أو في المال والأهل والولد دون أن نفطن أنها وسائل تستحق الشكر لا السخط والتذمر والشكوى، وكم رسبنا ولم ننجح في امتحانات الصبر والابتلاء! قد يمر العام دون أن نفكر ونحن نركض بين فلوات الحياة ومطالب النفس التي لا تشبع فيمن ظلمناه، ولوثناه، وبهتناه، واكلنا بالنميمة والغيبة لحمه حياً وميتاً دون أن نشعر بالتخمة، قد يمر العام وقد استعذبنا أبهة السلطة الزائلة فاستعذبنا تعذيب بعضنا دون أن ننتبه إلى أن الدنيا دوارة وان الكرسي الهزاز لا يستقر على حاله طويلا، لأن التغيير سُنة! قد يمضي العام ونحن نجتهد في نبش عيوب الناس واذاعتها دون أن نفكر يوما في تأمل اصغر عيب فينا الذي يؤهلنا بجدارة للحرمان من رحمة الله، قد يمر العام ونحن نخاصم الإنصاف، والعدل، والرحمة، والعطف، والإحسان، والمعروف، والمرؤة، لأننا مشغولون بالقشر الزائل، والوقتي، والآني، والسريع العاجل! قد يمضي العام بعاهات كثيرة تعكر صفو الحياة ونحن المساكين قد وقعنا في شراكها طوعا وكرها لكن يأتي وقت ينفض عنا كل المثالب، ويدعونا لرفرفة الروح، والخلاص من طين الأرض، يأتي يوم كاليوم الذي يستهل بوجهه الصبوح أيام رحمة، وغفران، وعتق من النار، ووداع لكل ما أثقل القلوب بالذنوب. اليوم ما أحوجنا مع اشراقة رمضان الطيب لعيون لا تعشى، لقلوب مبصرة ترى ما كنا نحجبه عامدين والدنيا تلعب بنا وتلهو، قليلة هي الأيام التي نملك فيها القدرة على مواجهة النفس، ومحاسبة الذات، ولجم الهوى، قليلة هي الأيام التي يمكن أن يسترجع فيها المرء شريط عمره كله في ثوانٍ ليتوجع نادما من سقطاته، وهناته، وذنوبه، وفجراته، وعثراته، وقباحات أقواله وأفعاله، وعنجهيته، وكبره، وظلمه للناس، وسوء خلقه، وانانيته، وتخليه عن كل خير كان بمقدوره أن يقدمه لإنسان على ظهر الأرض فأحجم، قليله هي اللحظات التي يمكن ان نقف فيها أمام المرآة لنقول لمن نراه، يا أنت، يا أنا، أنا حزين لأنك أنا، يا أنت يا أنا ما اقبح فعالك ويا شين ما قدمت، وقلت، وفعلت، قليلة بل نادرة هي لحظات المصارحة المشرفة التي تقودنا للنهار، حيث كامل الاغتسال من درن الأوحال، هذا رمضان الجميل النبيل جاء يمد يده لينتشلنا من وحدتنا، وطيننا، وضياعنا، لنكون خلقا آخر يستحق لقب إنسان، هذا رمضان.. هذا أوان انتصار النور فينا على الطين، هذا أوان القلوب الدامعة حزناً وندماً على الذنب. *** * طبقات فوق الهمس: * لما تلاقي نجوم السما مليانه إيمان وأما تلاقي الخير والحب في كل مكان واما تلاقي هلال نور في السما فرحان يبقى بعودة رجوعك لينا يا رمضان * للغالية التي ما وجدت كربة إلا فرجتها، ومحزونا إلا واسته، وغريقا إلا انتشلته، ومحتاجا إلا رفدته، وصاحب حاجة إلا قضتها له اقول: ارجو أن تكوني من عباد الرحمن الذين يسعون في قضاء حوائج الناس الذين أعد لهم الرحمن ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.