20 سبتمبر 2025
تسجيلبعد (29) عاماً بدأ نظام (الإنقاذ) برئاسة الرئيس عمر البشير مضطربا بشكل واضح بعد 3 عقود من مجيئه إلى الحكم في 30 يونيو 1989بانقلاب عسكري.. كانت الذكرى السنوية لنظام ما عرف بثورة الانقاذ الوطني، لا تمر إلا ويتم فيها الاعلان عن افتتاح مشاريع تنموية جديدة، لكن منذ سنوات تركت هذه العادة وأصبحت هذه الذكرى تمر همسا وبدون ضجيج. في صبيحة تلك الجمعة ارتفع أزيز المارشات العسكرية عاليا في إذاعة أمدرمان الرسمية وكانت القلوب المشرئبة تسأل من هو ذلك الضابط الذي يحمل روحه بين يديه ويُقدم على الانقلاب على النظام فكان ذلك هو العميد عمر البشير. صحيح أن انقلابا (ناعما) سبقه على ما عرف بالديمقراطية الثالثة، إلا أن هذه المرة يبدو فيها الأمر جللا وصاعين مقابل صاع..مذكرة الجيش التي أرعبت رئيس الوزراء — حينذاك — السيد الصادق المهدي، كانت انقلابا فرض علي الصادق حكومة بعينها وأجبرته على حل حكومة الوفاق التي كانت تشارك فيها الجبهة الإسلامية القومية بزعامة حسن الترابي، وتشكيل حكومة جديدة بدونها سميت بحكومة القصر. وظهر أن الراحل حسن الترابي، هو من يقف وراء الانقلاب. إلا أنه بعد نحو 10 سنوات نشب خلاف بينه وبين البشير بسبب مساعي الأول تعديل الدستور حين كان رئيسا للبرلمان، ومحاولته التغيير في نظام الحكم وإدخال إصلاحات وصفت بانها ديمقراطية، مثل انتخاب حكام الولايات عوضا عن تعيينهم، وهو ما رفضه البشير. وبعد خروج الترابي من المنظومة الحاكمة المتنفذة، تعرض للسجن والاعتقال وكان لا يكاد يفرج منه حتى يتم اعتقاله مجددا بسبب إصراره على انتقاد الحكومة. وما قبل الخلاف كان البشير أضعف حلقات القرار وقد كلفته الحركة الاسلامية بزعامة الترابي بدور محدد، لكنه رويدا رويدا وبعد مضي أكثر من 29 عاما أصبح البشير مركز القرار الوحيد. وعند وفاة الترابي قبل عامين حرص البشير وقيادات حزبه الحاكم المؤتمر الوطني على ابداء حزنهم وتعاطفهم حيال غيابه المفاجيء، غير أن ذلك لا يتعارض مع حالة الارتياح التي سادت أوساط الحزب لغياب معارض في حجم ووزن الترابي. فقد شكّل الترابي هاجسا وبعبعا للرئيس البشير. وظل نظام البشير محل انتقاد لاذع من جانب الترابي وزاد من تأثير نقده أنه كان منهجيا؛ فانتقد كثيرا انحسار الشورى وانفراد قلة قليلة بالقرارات حتى أصبحت تجربة الحكم أقرب للحكم الشمولي. كما ظل ينتقد عدم فاعلية مؤسسات الحكم، التي غدت شكلا ديكوريا لا أكثر. فضلا عن انتقاده لطغيان الاجهزة الأمنية على الاجهزة السياسية وتدخل الاجهزة الامنية في الأجهزة التنفيذية وتحول الدولة لدولة بوليسية شعارها العصا لمن عصا. لقد تعرض الدستور الحالي، دستور 2005 لثمانية عشر تعديلا، طالت مسألتين مهمتين أثارتا جدلا واسعاً حتى وصف البعض الأمر بالانقلاب الدستوري: الأولى صلاحيات جهاز الأمن والمخابرات، والثانية صلاحيات رئيس الجمهورية في تعيين ولاة الولايات ورئيس القضاء وقادة الجيش والشرطة والأمن. واليوم يتوقع اجراء تعديل جديد آخر ليسمح للبشير بالترشح في انتخابات 2020 حيث يمنع الدستور البشير من الترشح لأنه حكم في ظل هذا الدستور ولايتين. اليوم الكثير من العثرات السياسية والاقتصادية تعصف بمسيرة نظام الحكم، صحيح أنه كان هناك أثر سلبي بالغ لانفصال الجنوب في يوليو من عام 2011، إذ فقدت البلاد نحو 70 % من عائدات النفط ، إلا أن الأزمة الاقتصادية صنعها سوء التخطيط وقصر النظر والعجز عن إدارة عوائد النفط، فضلا عن البذخ السياسي اللا محدود والفساد الذي ضرب بحذوره كامل بنية الدولة. وليس الفساد السياسي المستشري من النوع الذي يمكن أن يُختلف عليه، لكنه فساد ظاهر لا تخطئه حتى العين التي بها رمد.