28 أكتوبر 2025

تسجيل

كيف سيُكتب تاريخنا؟

01 يوليو 2015

كيف سُتكتب في المُستقبل حقبة التاريخ المعاصر التي نحياها الآن؟ وأي الروايات ستكون هي السائدة؟ إذا كنا نحن الناس الذين نعيش هذه الحقبة ونتابعها يومياً، وننعم بوسائل إعلام وتغطيات لم تكن موجودة سابقاً، نقرأ الشيء ونقيضه، ونرى "حقائق" ثم نقرأ "تفسيرات" لا علاقة ببعضها البعض، وكأن "الحقائق" تحدث في كوكب آخر. لنتخيل مثلا أن طالبا يدرس التاريخ في الجامعة سنة 2200 يريد أن ينجز بحثا عن التحولات الإقليمية في المنطقة العربية بين سنوات 2010 و2020، فماذا سيجد على رفوف المكتبة (... الإلكترونية غالبا!). سوف يجد كتب "تاريخ" متنوعة المنطلقات يركز كل منها على جانب أو جوانب مُختارة من الأحداث التي وقعت في تلك الفترة، ويخلص كل منها إلى خلاصات مختلفة. سيجد كتاب المؤرخ الشهير "سين" وفيه سيقرأ أن حقبة 2010 _2020 شهدت قيام حرب كونية على مجموعة الدول والحركات التي كانت تقود "المقاومة"، وأن تلك الحرب تم التمهيد لها بما سُمي حينها "الربيع العربي"، والذي كان الهدف منه، كما تم "انكشاف" ذلك لاحقاً، إسقاط نظام المقاومة في سورية، ومحاصرة نظام المقاومة في إيران. سوف يحشد المؤرخ فلان شواهد و"حقائق" عديدة، أهمها انبعاث "الحركات التكفيرية" التي استهدفت الشيعة وأرادت إثارة حرب طائفية إقليمية، كما ويسلط الضوء على تفسيرات مُنتقاة تؤيد وتدعم وجهة نظره. وبالتأكيد سوف يكون من ضمن تلك الشواهد، مثلا، اقتباسات كثيرة لمسؤولين إسرائيليين تشير إلى خطر إيران عليها وبكونها تمثل تهديدا وجودياً، بما يُثبت أن أطروحة الحرب الكونية التي يتبناها كتاب المؤرخ فلان كانت فعلا بهدف القضاء على "محور المقاومة" وحماية إسرائيل. في نفس رفوف المكتبة الإلكترونية سوف يتناول طالبنا كتاباً آخر للمؤرخ "صاد"، وفيه سوف يقرأ "تأريخا" وتوصيفا مناقضا تماماً لما قرأه في الكتاب الأول. هنا سوف يقرأ بأن العقد المرير والدامي من السنين الذي يدرسه تميز بأنه عقد تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، وسيطرته المباشرة أو غير المباشرة على أكثر من بلد عربي. سوف يقرأ طالبنا "أدلة وشواهد" على ذلك النفوذ منها إخضاع العراق وسوريا ولبنان تحت السيطرة الإيرانية، ثم تمدد إيران نحو الجزيرة العربية واليمن، إضافة لانتشار نفوذها خارج المنطقة (أي في أفغانستان وباكستان وإفريقيا). وفي نفس الكتاب سوف يقرأ الطالب فصلا عن "طائفية إيران" وإثارتها للنزاعات الدينية والطائفية، وفصلا كاملا مُخصصا للتفسير الديني الشيعي لهذا التمدد وعلاقته بقدوم المهدي المنتظر، وبأن انتشار النفوذ وبروز القوة الإيرانية هي تمهيد لذلك القدوم. وفي هذا الفصل سوف يندهش الطالب من قراءة بعض المقولات المنسوبة إلى قياديين إيرانيين تقول بأن الأجهزة الاستخباراتية للولايات المتحدة، الشيطان الأكبر، والغرب عموماً، تتربص في المهدي المنتظر وعندها خطط محكمة لاعتقاله وخطفه فور ظهوره لقطع الطريق على الانتصار الكوني لإيران. في هذا الكتاب في الوقت نفسه هناك فصول أخرى في الكتاب "تثبت" علاقة تواطؤ مريبة بين إيران من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة ثالثة تقوم على تقاسم وظيفي واقعي على الأرض، مقابل عداء لفظي وإعلامي. ويستدل المؤرخ "صاد" على ذلك بعدم حدوث أي صدام عسكري أو معركة مهما كانت صغيرة بين إيران وإسرائيل. ثم ينتقل طالبنا إلى كتاب لمؤرخ آخر هو المؤرخ "عين"، المعروف بتوجهاته الليبرالية والديمقراطية، وفي هذا الكتاب هناك مقاربة تاريخية أخرى. يقول المؤرخ "عين" إن تلك السنوات شهدت تحرك عدد من الشعوب العربية ضد الاستبداد والدكتاتورية وبحثا عن الحرية والمشاركة السياسية، وأن ما حدث من حروب أهلية وتدخلات خارجية دامية كان هدفه القضاء المُبكر على حركة الدمقرطة التي بدأت بشائرها "بما سُمي آنذاك الربيع العربي". يسرد المؤرخ "عين" أحداث وتفصيلات كثيرة تبدأ من تراخي الدعم العالمي والغربي تحديدا لحركات الديمقراطية العربية، إلى تجذر "الدولة العميقة" في المنطقة العربية، وصولاً إلى دور الحركات الإسلاموية وتطرفها في إجهاض التحول الديمقراطي واختطاف الربيع العربي وإرجاع الأمور إلى المربع الأول.