13 سبتمبر 2025

تسجيل

الوليد بن عقبة وتهمة الكذب.. تحقيق لابد منه (3)

01 يوليو 2015

خلصنا في المقالين السابقين إلى أدلة تبرئ الوليد من تهمة الكذب وبقي أن نحلل رواية الإمام أحمد في سبب نزول قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا)، حيث ذكر الشيخ الخطيب أن رواية الإمام أحمد فربما تسرب الوهم إلى بعض الرواة والخلط في الاسم، حيث أخذ الإمام أحمد الرواية عن عبد الله الهمداني وهو ثقة، لكن التبس اسمه في غير هذه الرواية بهمذاني آخر يكنى أبا موسى واسمه مالك بن الحارث. والخلاصة أنه بعد هذا التحقيق الذي أميل إليه أنه لا يجوز علمياً أن يبنى عليها حكم شرعي أو تاريخي. وإذا أضفت إلى ذلك حديث مسند الإمام أحمد عن سن الوليد في سنة الفتحيتبين لك بعد ذلك حكمة استعمال أبي بكر وعمر للوليد وثقتهما بهواعتمادهما عليه مع أنه كان لا يزال في صدر شبابه.أما الوليد بن عقبة المجاهد الفاتح العادل المظلوم الذي كان منه لأمته كل ما استطاع من عمل طيب، ثم رأى بعينه كيف يبغي المبطلون على الصالحين وينفذ باطلهم فيهم، فاعتزل الناس بعد مقتل عثمان في ضيعة له منقطعة عن صخب المجتمع، وهي تبعد خمسة عشر ميلاً عن بلدة الرقة من أرض الجزيرة التي كان يجاهد فيها.ويدعو نصاراها إلى الإسلام في خلافة عمر.فقد آن لدسائس الكذابين فيه أن ينكشف عنها عوارها ولا يضير هذا الرجل أن يتأخر انكشاف الحق فيه ثلاثة عشر قرناً، فإن الحق قديم ولا يؤثر في قدمه احتجابه.وأما ما قيل عن شربه الخمر وأنه صلى الصبح أربعا فقد أثبت الشيخ الخطيب ضعف الروايات وما دلس على الرجل، بل وذكر الأخبار التي نقلت إلى سيدنا عثمان رضي الله عنه، تتهم هذا الصحابي بهذا الذنب، يقول الشيخ الخطيب: "هذه قصة اتهام الوليد بالخمر كما في حوادث سنة 30هـ من تاريخ الطبري وليس فيها ـ على تعدد مصادرها ـ شيء غير ذلك وعناصر الخبر عند الطبري أن الشهود على الوليد اثنان من الموتورين الذين تعادت شواهد غلهم عليه، ولم يرد في الشهادة ذكر الصلاة من أصلها، فضلا عن أن تكون اثنتين أو أربعاً، وزيادة ذكر الصلاة هي الأخرى أمرها عجيب".ويضيف الخطيب: فقد نقل خبرها عن الحضين بن المنذر (أحد أتباع علي) أنه كان مع علي عند عثمان ساعة أقيم الحد على الوليد، وتناقل الناس عنه هذا الخبر فسجله مسلم في صحيحه (كتاب الحدود) بلفظ "شهدت عثمان ابن عفان وأتي بالوليد قد صلى الصبح (ركعتين) ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان بأنه تقيأ، أحدهما حمران أنه شرب الخمر وشهد آخر أنه رآه يتقيأ، فالشاهدان لم يشهدا بأن الوليد صلى الصبح ركعتين وقال أزيدكم، بل شهد أحدهما بأنه شرب الخمر وشهد الآخر بأنه تقيأ.أما صلاة الصبح ركعتين وكلمة أزيدكم فهي من كلام حضين، ولم يكن حضين من الشهود، ولا كان في الكوفة في وقت الحادث المزعوم، ثم إنه لم يسند هذا العنصر من عناصر الاتهام إلى إنسان معروف.ومن العجيب أن نفس الخبر الذي في صحيح مسلم وارد في ثلاثة مواضع من مسند أحمد مروياً عن حضين، والذي سمعه من حضين في صحيح مسلم هو الذي سمعه منه في مسند أحمد بمواضعه الثلاثة.