11 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); في السنوات الأولى من عملنا بمهنة الصحافة، كان هنالك صحفيون وكتاب ننظر إليهم بعين الفخر والاعتزاز، وعندما بدأنا عملنا كمراسلين تلفزيونيين، كنّا نتابع بإعجاب المراسلين المخضرمين في محطات التلفزة التركية، وكنا نعمل على تقليدهم، لنبدأ بعد ذلك بمتابعة الصحف في البلدان الأجنبية، والقنوات التلفزيونية ووكالات الأنباء في تلك البلدان.. لطالما تلألأت "الصحافة والأقلام الحرة في العالم الغربي الحر" أمام أعيننا، وكأنها حلم مشرق آنذاك. حلم الصحافة الغربية الحرةكلما زاد اطلاعنا على ذاك العالم، وغصنا أكثر في أعماقه، كان ألق الحلم يتلاشى رويدًا رويدا، ويتحول إلى ظلام دامس.. ومرعب أيضًا.. وإذا ما كتب لكم رؤية ما وراء الأسماء المتلألئة والنجوم اللامعة في عالم الإعلام، لرأيتم سيلًا من العلاقات القذرة، ولرأيتم كيف يتم خداع القراء، وكيف تقوم العلاقات المادية باغتصاب الأخلاق الصحفية.عندما ترون كيف تقوم بعض الأوابد الصحفية التي طالما احترمتموها وشعرتم في قريرة أنفسكم بالحاجة للانحناء أمامها تقديرًا وعرفانًا، بقتل جميع القيم السياسية والأخلاقية، فداءً لحفنة من العلاقات المادية والسياسية، تشعرون بأن نسبة احترامكم لهذه المهنة التي تأكلون منها خبزًا قد تناقصت، بعد سقوط رداء الطهر عنها. النظام الإعلامي يشبه آلة صدئة لإنتاج الكذبإن وسائل إعلام مثل الـ"بي بي سي"، و"سي إن إن"، و"رويترز"، و"فرانس برس"، و"نيويورك تايمز"، و"فاينانشال تايمز"، و"لو فيجارو"، و"الغارديان"، وغيرها، مستعدة ومتلهفة دومًا لإعطائكم دروسًا ومواعظ، ولتأليف كتب حول أخلاق وحرية الصحافة. فتعتقدون أن أقلامهم حادّة كالسيوف، ورؤوسهم شامخة، وقلوبهم تملؤها الشجاعة الصحفية.. وبعد فترة يتصل بهم "ولي نعمتهم"، ويقول لهم "عليكم أن لا تروا هذا الحدث أو ذاك"، فيزول السحر وتنجلي الستائر وتتكشّف الحقيقة.إن نظام الإعلام العالمي في الواقع، هو عبارة عن آلة صدئة لإنتاج الكذب، تلطخت بالفساد والقذارة والمصالح. عندما نفذت إسرائيل عدوانها على غزّة، وقتلت أطفالًا أبرياء، تبارت وسائل الإعلام تلك بنقل أخبار العدوان تحت عناوين "الدفاع المشروع عن النفس"، وعندما تنزل دبابات السيسي إلى شوارع القاهرة، وتقتل المدنيين، وتقوم بانقلاب عسكري على حكومة منتخبة، تسارع وسائل الإعلام تلك بمناقشة ما حدث تحت عنوان "هل ما حصل في مصر كان انقلابًا عسكريًا أم لا"، متجاهلًا المدنيين الذين سفكت دماءهم على قارعة الطرقات.. وفي أحد الأيام تقصف مناطق غوطة دمشق بقنابل كيميائية، يقتل جراؤها الكثير من الأطفال الرضع، فتنشغل وسائل الإعلام تلك بمناقشة ما جرى تحت عناوين "من أي وجهة قد تكون انطلقت القنبلة؟"، ويدفن الأطفال بلا كفن، دون أن يراهم أو أن يسمع بهم أحد.. وفي أحد الأيام أيضًا، تقتتل قبائل التوتسي والهوتو وغيرها في أعماق إفريقيا، من أجل مصالح فرنسا، وبلجيكا، وبريطانيا، ويصل أعداد القتلى إلى الملايين، لكننا لا نرى في وسائل الإعلام إلا أخبارًا وتقارير إعلامية، تتناول إحصاءات الإصابة بمرض الإيدز في إفريقيا.إن وسائل الإعلام الغربية بتجاهلها لكل تلك الأحداث لا ترتكب جريمة إنسانية فحسب، بل تعمل على تجيير تلك الوقائع وقلبها لصالح مرتكبي المذابح وأعمال الظلم والاضطهاد، فتضاعف خطاياها وجرائمها.. إن الخطايا التي ترتكبها وسائل الإعلام تخيف حتى زبانية جهنّم. لا يسمح للعاملين بشرفهم حق البقاء على قيد الحياة.وفي خضم هذه الزوبعة، لا تمنح وسائل الإعلام الفاسدة والمتخلية عن أخلاق المهنة مكانًا لأولئك الذين يرغبون في العمل بكرامة. ولا يسمحون لمن يريد مواصلة حمل رسالة هذه المهنة بشرف، أن ينعم بحقه في البقاء على قيد الحياة.. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن محطة الـ"سي إن إن" التي بثت لساعاتٍ أحداث تقسيم بشكل حي ومباشر، وخصصت ساعات أخرى للبرامج الحوارية التي تناولت "عدم وجود حريات صحفية في تركيا"، قامت قبل شهر من الآن، بفصل مذيع ومقدم البرامج المخضرم "جيم كلانسي"، الذي عمل في المهنة زهاء 34 عامًا، فقط لأنه وجه بعض الانتقادات لإسرائيل.. أما نحن وبكل بساطة، لم نسمع أي إدانة أو استنكار لما حدث.. يرجم الملائكة في وسائل إعلام محرروها شياطينليس لأحد أن يحدثنا عن موضوعية وأخلاقيات وسائل الإعلام الغربية، فنحن وقفنا شاهدين على ما صنعته وسائل الإعلام تلك، بالشرق الأوسط الذي لا يراد أن يُشفى من داء الإرهاب، وإفريقيا، التي لا يراد أن تتخلص من آلام القمع والمذابح. الآن، يجلس أباطرة الإعلام على مقاعدهم القذرة والصدئة، ويكتبون مقالات يتساءلون فيها عن أسباب "عدم وجود حرية صحافة في تركيا"، ويقومون بكل بساطة بمساءلتنا أيضًا، إلى جانب سيل من التقارير التي يخطونها للبرلمان الأوروبي، والتي يتحدثون فيها عن "إسكات صوت الصحافة في تركيا"، وعن "إلقاء الصحفيين في غياهب السجون"، وعن "سيطرة وسائل الإعلام الموالية للسلطة على كل شيء". رغم أن 60 في المائة من الصحافة مناهضة للحكومة في تركيا، إلا أنهم يسعون لخلق تصور يظهر أن الصحافة الموالية للسلطة تطغى على الإعلام التركي، لقد تأسس في تركيا صحيفة خاصة، مهمتها إلقاء سيل من الشتائم بشكل يومي على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، بالتزامن مع استمرار توجيه سيول الاتهامات، حول وجود قمع للحريات الصحفية في البلاد، بهدف تخويفنا. لقد حان الوقت لكي نغضب من أنفسناأنا شخصيًا لم أعد غاضبًا من وسائل الإعلام الغربية وسياساتها، لأنها جزء من نضال الغرب لتحقيق أهدافه، أنا في الواقع غاضبٌ من السياسيين والصحفيين، غير القادرين على نقل الواقع والأحداث، والحقائق التي تشهدها بلدانهم بشكل خاص والعالم الإسلامي بشكل عام. أنا في الواقع غاضبٌ من نفسي، ومن أولئك الذين لم يمكنونا حتى الآن، من امتلاك صحيفة أو محطة تلفزيونية أو وكالة أنباء عالمية، ومن أولئك الذين لا يفعلون أي شيء بغية تحقيق ذلك.