26 أكتوبر 2025

تسجيل

في شؤون وشجون الإعلام الرياضي

01 يونيو 2013

يحتل الإعلام الرياضي في مختلف دول العالم مساحة لا يستهان بها في الفضاء الإعلامي بمختلف أنواعه وهذا أمر طبيعي ومنطقي نظرا لاهتمام الملايين بل البلايين بالرياضة. تتمثل إشكالية الإعلام الرياضي في عدة قضايا مهمة تتعلق بالرياضة بالدرجة الأولى وإدارتها. فالرياضة اليوم أصبحت صناعة تقوم على المنهجية والعلوم واستراتيجيات التسويق والإدارة والرعايا والإعلان. كما أصبحت الرياضة كذلك تجارة تدر أرباحا كبيرة على أصحاب الأندية والمستثمرين فيها. فالاتحاد الدولي لكرة القدم، على سبيل المثال لا الحسر، (الفيفا) أصبح إمبراطورية لها وزنها في السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية. حيث إن ميزانيتها تقدر بمليارات الدولارات وأن رئيسها الحالي السويسري ساب بلاتر يُستقبل استقبال الملوك والرؤساء عندما يقوم بمهامه الرسمية أو لدى تلبيته دعوات المسؤولين عن كرة القدم في مختلف بقاع العالم. هذه الخصائص التي تميز الصناعة الرياضية إن صح التعبير تضع تحديات ورهانات كبيرة جدا أمام الصحافة الرياضية، حيث إن هذه الأخيرة يجب أن تعكس هموم وشجون وقضايا الرياضة بكل مهنية وحرفية وموضوعية والتزام من أجل المساهمة في تطويرها ونشر الثقافة الرياضية والوعي الرياضي في المجتمع وكذلك المساهمة في تطوير الأداء الرياضي نفسه وفي تطوير إدارة الرياضة. والكلام عن الرياضة كذلك يقودنا إلى الكلام عن أي رياضة نحن نتكلم: الرياضة المدرسية، الرياضة الجامعية، رياضة النخبة، رياضة الأندية،الرياضة النسائية، الرياضة العمالية، رياضة ذوى الاحتياجات الخاصة.. والقائمة قد تطول. الكلام عن الإعلام الرياضي يقودنا إلى عدة تساؤلات تتعلق بالصحفي الرياضي في المقام الأول من حيث التخصص والحرفية، وتكوين الصحفي الرياضي وما هي علاقة أقسام الإعلام والاتصال بالمؤسسات الإعلامية في شأن تكوين وتجهيز الصحفيين المتمرسين. وهنا نلاحظ ثغرات وفجوات كبيرة في عملية التكوين حيث قلة البرامج أو انعدامها وكذلك غياب التعليم المستمر والدورات التدريبية لصقل مهارات ومواهب الصحفيين الرياضيين ومواكبة التطورات التي تحدث في المجال الرياضي نفسه بتخصصاته وحقوله المختلفة. في البداية يجب أن نتفق أن الإعلام الرياضي لا يعني فقط التغطية الإعلامية للأحداث والفعاليات الرياضية وإنما المقصود هنا وإلى جانب التغطية التحليل والنقد والدراسة المتأنية للحركة الرياضية في البلاد بصفة عامة من أجل النهوض بها والتأكيد على الممارسات الإيجابية للحفاظ عليها ونقد الممارسات السلبية من أجل تصحيحها ومعالجتها. وهنا نلاحظ أن الإعلام الرياضي يعاني من التركيز على بعض الرياضات دون الأخرى وهنا نشير أن الرياضة لبعض الإعلاميين والمسؤولين عن الإعلام الرياضي هي كرة القدم وفقط. المشكل الآخر الذي يعاني منه الإعلام الرياضي هو التحيز لفريق أو جهة معينة على حساب المهنية والموضوعية والالتزام. ومثل هذا التصرف يؤدي إلى مشاكل عديدة حيث إن انعدام الحقيقة وعدم الحياد يسيء إلى الرياضة نفسها وإلى الإبداع الرياضي والتميز الرياضي، كما أنه يؤدي في بعض الأحيان إلى تصرفات غير سليمة من قبل الجمهور. فالرياضة قبل كل شيء هي منافسة شريفة وهي أخلاق وقيم ومبادئ إنسانية يجب أن يحترمها الرياضي، والإعلامي والجمهور. فنلاحظ هنا أن صحفيي المدينة "س" ينحازون إلى فريق المدينة ويمجدون ويقدسون نجاحاته أما إخفاقاته فيبررونها بطرق وأساليب مختلفة كالتحكيم أو أرضية الملعب أو تصرفات جمهور الفريق المنافس...الخ. ومثل هذه الممارسة الإعلامية تسيء للرياضة أكثر مما تفيدها. من جهة أخرى نلاحظ التضخيم والتهويل المبالغ فيه حيث إن الأيام تكشف العكس تماما عما قيل وكُتب في الشأن "س" أو "ج". وهذا يؤدي إلى فقدان المصداقية والثقة والاحترام من قبل الجمهور. ومن المشاكل الرئيسية التي يعاني منها الإعلام الرياضي حرية النقد والخوض في المسائل الجوهرية وكذلك الحصول على المعلومات من بعض المسؤولين. وفي حال الحصول على المعلومات فهناك إشكالية الولاء لـ"س" أو "ج" وعدم التطرق للنقد أو الكشف عن الحقائق التي قد تغضب المسؤول. فالإعلام الرياضي مثله مثل باقي مجالات الإعلام الأخرى يعاني من الضغوط الهيكلية والتنظيمية ويعاني من الرقابة والمحرمات والخطوط الحمراء. فكما لا يخفى على أحد هناك فساد في الأوساط الرياضية وهناك قرارات ليست صائبة في بعض الأحيان وهناك ضعف في التخطيط ووضع الاستراتيجيات، لكن مثل هذه القضايا نادرا ما نجدها في صفحات الجرائد في تحقيقات أو روبورتاجات أو دراسات مستفيضة لإثارتها وطرحها أمام الرأي العام ولمناقشتها والوصول إلى وضع حلول لها. فالصحافة الرياضية في العالم العربي لا سلطة لها وبذلك فإنها لا تستطيع أن تؤثر في الواقع وتغيره. الصحافة تعاني أزمات عدة تجعلها غير مقنعة في القيام بدورها على النحو الذي يجعل لها تأثيرا إيجابيا على الواقع الرياضي الذي نعيشه بدليل أن الإعلام المقروء لا يستطيع أن يوجه نقدا إلى لاعب أو مسؤول أو مدرب لأنه لا يملك الإمكانات والمقومات التي تؤهله لذلك. فالإعلام الرياضي يجب أن تكون له رسالة سامية من أجل التطوير والتغيير وإبراز النتائج الإيجابية التي يجب تعميمها والمحافظة عليها والتطرق للسلبيات من أجل تصحيحها والتعلم منها وتجاوزها. لكن في الواقع نرى المبالغة والتطرف والتضخيم والتهويل والانحياز لطرف على حساب طرف آخر..إلخ. وهذا ما يتطلب الاهتمام بالحرفية والمهنية في الإعلام الرياضي حيث نلاحظ قلة الكادر المؤهل وقلة الدورات التدريبية والتعليم المستمر للتطوير المهني والوظيفي. وكذلك الاهتمام بالتخصص واحترامه ويجب على من يمتهن العمل في مجال الإعلام الرياضي أن يحب هذا المجال ويكون ملما بمختلف جوانبه ويعمل على تطوير وتجديد معلوماته باستمرار. من جهة أخرى يجب أن يعي أن العمل لا يتوقف على السرد ونقل المعلومات والأخبار والأحداث الرياضية فقط، بل هناك جانب أهم وهو التحليل والدراسة والنقد والوقوف عند الإيجابيات والسلبيات. فالإعلام الرياضي لا يقل أهمية عن باقي أنواع الإعلام في مجالات الاقتصاد والسياسة والفن والثقافة والتكنولوجيا والطفل والمرأة وإنما هو إعلام له مكانته في المجتمع وهذا نظرا لمكانة الرياضة في حياة الفرد والمجتمع ومكانة الرياضة كذلك على المستوى الدولي. فصحافة الاستقصاء والتحقيقات والدراسات والنقد وطرح المواضيع الجوهرية مهمة جدا للرقي بالحركة الرياضية في المجتمع وجعلها في مستوى تنافسي سواء محليا أو إقليميا أو دوليا. المهنية في الإعلام الرياضي تتطلب كذلك إقامة علاقات مهنية حرفية تقوم على الاحترام المتبادل بين المسؤولين عن الرياضة والحكام والمدربين واللاعبين من جهة والصحفيين من جهة أخرى حتى لا يكون هناك ابتزاز أو استغلال أو محاباة أو ولاء لطرف على حساب طرف آخر. فالمصلحة العامة ومصلحة الرياضة في المقام الأول الأخير تتطلب الموضوعية والنزاهة والالتزام.