18 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); حين كانت الوصاية السورية تحكم لبنان كان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط دائمًا في صدارة المشهد وفي الصف الأول، يرمقه الوزراء والنواب من بعيد، يحاولون التنبؤ بخطواته، يقلّدونه، يتتبعون قدميه حتى لايدعسوا "دعسة ناقصة". الأمر نفسه تواصل بعد خروج الوصاية السورية عقب اغتيال رفيق الحريري، فاستمرت صدارة زعيم المختارة، بل زادت نجومية وتألقًا، وفاقت بأشواط صدارة ونجومية بقية الطبقة السياسية، وعلى رأسهم سعد الحريري (المكلوم باغتيال والده) الذي نال تعاطفًا لبنانيًا وعربيًا ودوليًا قلّ نظيره. وليد جنبلاط زعيم يعرف كيف ينحني وكيف يلتفت وكيف يدور حول نفسه. يعرف متى يجب أن يكون صاخبًا ومتى يلتزم الصمت، يعرف متى يسارع الخطى ويُبعد من طريقه من سبقوه، ومتى يبطئ الخطى حتى لتظنه واقفًا لا يتحرك. يعرف حجم زعامته، ويدرك أن استمراره في زعامة الموحدين الدروز في لبنان وكذلك في فلسطين وسوريا يتعلق بمدى نجاحه في إنجاز وظيفة واحدة وهي "مصلحة الطائفة". هي البوصلة والاتجاه، ومن أجلها تنهار كل المواقف والمبادئ والتحالفات. ولتحقيق "مصلحة الطائفة" يصبح كل شيء مبررًا ولو كان انقلابًا على مواقف ومبادئ. فالطائفة فوق الجميع، ولا خطوط حمر تقف في طريق تحقيق مصلحتها. وليد "بيك" الذي ترك هذا الإرث في العمل السياسي وأسّس مدرسة خاصة به، أعلن قبل أيام نيته اعتزال السياسة والاستقالة من مقعده النيابي في منطقة الشوف وزعامة الدروز. هي ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها زعيم المختارة عن خيار الاعتزال والابتعاد عن الواجهة، لكنها هذه المرة أُرفقت بإبراز ورقة الاستقالة التي يعتزم تقديمها لرئيس مجلس النواب في أول جلسة تشريعية مقبلة. وفي حال نفذ جنبلاط اعتزاله، يكون بذلك قدم مرة جديدة نموذجًا غير مسبوق للطبقة السياسية اللبنانية، نسأل الله أن يَلحق الآخرون به فيعتزلوا كما فعل.بالنسبة لجنبلاط خطوة الاعتزال قرار شخصي يُعفي من خلاله نفسه من أعباء السياسة وضغوطها ومؤامراتها، وهو مهد لهذه الخطوة قبل فترة بصراحته الزائدة. فمرة شكك بنزاهته ونظافة كفه وأعلن أنه فاسد من ضمن طبقة سياسية فاسدة. ومرة أخرى يشكك بمتانة زعامته حين غمز من عصيان دروز سوريا لتوجهاته وعدم التزامهم بما أراد. وبدأ اعتزالًا جزئيًا منذ فترة، فجلّ وقته يقضيه في التغريد على موقع تويتر. هذا بالنسبة لجنبلاط، أما بالنسبة للبنانيين فإن قرار الاعتزال سينعكس على الصورة دون المضمون. فجنبلاط رغم الثورية والاشتراكية التي يجاهر بها ورئاسته الحزب التقدمي الاشتراكي، لكنه في المحطات المفصلية يعود إلى إقطاعيته التاريخية التقليدية. فتيمور وليد جنبلاط جاهز وينتظر اعتزال والده حتى يرث الزعامة ويتابع مسيرة قصر المختارة. هذا لا يعني بالضرورة أن تيمور سيكون على خطى أبيه في الأداء السياسي، كما أن وليد جنبلاط لم يسر على خطى أبيه كمال جنبلاط، فلكل شخص نكهته وأداؤه وطريقته في إدارة الأمور، لكن المحصلة النهائية والمؤكدة هي أن مسار تيمور سيصب دائمًا في "مصلحة الطائفة" التي تعلو ولا يُعلى عليها، وهو ما فعله وليد وفعله قبلهما كمال جنبلاط.قرار اعتزال العمل السياسي -بغض النظر عن دوافعه- خطوة تستحق التقدير والإعجاب. صحيح أن وليد جنبلاط ورّث زعامته لابنه، لكنه في النهاية قرر بملء إرادته وفي التوقيت الذي أراده الخروج من دائرة الضوء والوجاهة البراقة، بخلاف زعماء آخرين، هوايتهم الدائمة الظهور في وسائل الإعلام حتى الرمق الأخير من أعمارهم، ولا يبعدهم عن ذلك إلا المرض والشيخوخة أو الموت. وأنا هنا سأقدم نصيحة مجانية للسياسيين اللبنانيين الذين اعتادوا السير على خطى وليد جنبلاط، ويرغبون بنيل إعجاب وتقدير اللبنانيين كما نال جنبلاط، أقدم لهم نصيحة يتفوقون بها على جنبلاط: على من أراد منهم أن ينال حب اللبنانيين، عليه حزم أوراقه وحقائبه، وأن يحوّل الملايين التي نهبها إلى مصارف أجنبية، وأن يعلن وعائلته ومناصريه اعتزال العمل السياسي، والسفر خارج لبنان وإغلاق بيته السياسي إلى غير رجعة.