03 أكتوبر 2025
تسجيلاستقطاب الدروس مهم جدا عندما تسعى دول أو منطقة إلى الانتقال من وضع إلى آخر، تماما كما يحصل في منطقتنا العربية. منذ الحرب العالمية الثانية وحتى سنة 2008، كانت الدول الغربية مضرب مثل في حسن الأداء والتطبيق الجيد للسياسات الاقتصادية التي أجمع العالم على أنها حكيمة. فالدول النامية والناشئة الراغبة في النجاح كان لا بد لها وأن تنسخ التجارب الغربية، بدءا من الولايات المتحدة إلى آخر دولة أوروبية. اعتمدت المؤسسات الدولية التجربة الغربية كنموذج لأي دولة ترغب في الانتقال من التخلف والفقر إلى التقدم والبحبوحة. شكلت أزمة 2008 نقلة كبيرة ليس فقط في الثقل الاقتصادي الدولي وإنما ميزت بين الناجحين والساقطين. ها هي الدول النامية والناشئة تنتعش، أما الاقتصادات الغربية فتتعثر وتحاول الاتكال على المجموعتين الناشئة والنامية للإنقاذ. وما زيارة الرئيس الفرنسي في أبريل 2013 إلى الصين إلا دليل كبير على الاهتمام بتعزيز العلاقات التجارية الثنائية كما الاستثمارات لأن المصلحة تقضي بذلك. نعلم جميعا أن عجز الميزان التجاري الفرنسي مع الصين يبلغ 26 مليار يورو، أما العجز التجاري الأمريكي معها فيبلغ 320 مليار دولار أو نصف العجز التجاري الأمريكي العام. هنالك كتاب جديد في الأسواق للاقتصادي الأمريكي "بيتر بلير هنري" من أصل جامايكي اسمه "التحول" يقول فيه إن مشكلة الاقتصادات الغربية هي أنها غيرت سياساتها مرارا ولم تلتزم الرصانة ولم تتقيد بالمبادئ. في كتاب جديد للاقتصادي الصيني "جاستين لين" الذي شغل منصب كبار الاقتصاديين في البنك الدولي، يقول إن الصين كانت أغنى دولة في العالم في القرن السادس عشر واعتبرت في وقتها متطورة مقارنة بأوروبا التي كانت زراعية وريفية ومتأخرة. انقلبت المعادلة فيما بعد، فسعى "لين" إلى فهم الأسباب. يقول إن نجاح الصين القديم كان مرتبطا بالحجم خاصة السكاني قبل الجغرافي. بسبب التطور التكنولوجي والثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، انحدرت الصين لأنها لم تعتمده على عكس أوروبا. لم يعد الحجم مهما كما في الماضي، فانقلبت المعادلات. لماذا حصلت الثورة الصناعية في أوروبا وليس في الصين؟ يقول "لين" إن الصين لم تقدم الحوافز المناسبة كي يتعلم الطلاب الرياضيات والعلوم التطبيقية على عكس أوروبا. شجعت الصين طلابها على دراسة الآداب وعلى طلب الوظيفة العامة التي كانت تعتبر شرفا شخصيا وعائليا على عكس أوروبا التي طورت بحثها واكتشافاتها. تعززت أوروبا وتعثرت الصين، فكيف تغيرت الأمور فيما بعد؟ يقول "لين" إنه منذ سنة 1953 أي تاريخ البدء بالإصلاحات الاقتصادية، كانت الصين غنية باليد العاملة وفقيرة برأس المال، فركزت جهودها خطأ على النشاطات الاقتصادية التي تحتاج إلى رأسمال لرغبتها في اللحاق بالغرب وربما الفوز عليه. استمرت هذه السياسات حتى سنة 1978، ولم تتغير إلا بفضل "دينغ هسياو بينغ" الذي شجع القطاع الخاص على الاستثمار في النشاطات التي تحتاج خاصة إلى يد عاملة. حافظت الصين على الاستثمارات الرأسمالية لتأمين الاستقرار خلال هذه الحقبة المهمة التي غيرت الوجه الاقتصادي للصين. بالإضافة إلى النمو السكاني الضعيف، يقول "لين" إن مشكلة الصين تكمن في توسع فجوة الدخل بين الطبقات الشعبية والمناطق. نجحت الصين منذ سنة 1978 بسبب اعتمادها على الخطوة خطوة في الإصلاح وعلى تركيزها على النشاطات التي لها فيها ميزات مقارنة. ستكون هنالك منافسة قوية في المبادئ والتطبيق بين الهند والصين لقيادة ليس فقط آسيا وإنما العالم. نجحت الصين لأنها استعملت القطاع العام بذكاء، تعثر النمو الهندي مؤخرا يشير إلى صعوبة استمرار القطاع الخاص في النجاح إذا لم تتحسن إنتاجية القطاع العام. لا يمكن الاستمرار في النمو من دون مؤسسات عامة فاعلة وقوانين عصرية. 93% من اليد العاملة الهندية تعمل خارج الاقتصاد الرسمي جزئيا أو كليا، علما بأن %70 من السكان يسكنون في الريف أي أن الزراعة تعاني مما يرفع من إمكانية حصول أزمة غذائية جديدة. التلوث مرتفع ويظهر خاصة في المياه وعبر تجمع النفايات من دون معالجة. هنالك أيضا ضعف في الشفافية يظهر عبر المعلومات والإحصاءات السيئة أو الغائبة. نجحت الهند لأنها تجنبت الاتكال على قطاعها العام الذي يعشعش فيه الفساد على عكس الصين التي عززت دوره بذكاء.