10 سبتمبر 2025

تسجيل

ما كل ما يلمع ذهباً

01 أبريل 2015

عندما تبهرنا القطع البراقة اللماعة نعتقد أنها من النفائس، إلا إننا عندما نقترب منها نكتشف إنها مجرد قطع معدنية زائفة لا قيمة لها، خدعنا بريقها ورونقها الزائف كذلك الأشخاص المزيفون ممن وضعوا لأنفسهم قيمة مادية زائلة وليس قيمة معنوية وأخلاقية دائمة، فأهتموا بالصورة "المظهر الخارجي" وتركوا المضمون "المعدن الداخلي"..فقد أصبحت ظاهرة الاهتمام بالمظاهر الخداعة مشكلة تؤرق المجتمع وتشكل عبئاً كبيراً على الأسر والأفراد لما لها من تبعات وانعكاسات وآثار سلبية، لا سيما على الذين يرتدون قناع البذخ والترف "القناع الزائف الخادع"، قال الله تعالى ﴿الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون﴾ سورة الأعراف..أصحاب المظاهر الخداعة ممثلون يجيدون الأدوار التي وضعوها لأنفسهم، فنجدهم يمثلون الرقي والحديث بطريقةٍ وأسلوبٍ وايضاً صوتٍ مختلف عن الواقع ولا يعبر عن حقيقتهم، وذلك لكي يوهموا ويستغبوا الناس بأنهم سعداء ولكنهم لا يخدعون إلا أنفسهم، فالمرائي مهما أتقن الدور الذي يمثله فإنه لابد من سقوط قناع التمثيل يوماً ما ليفتضح أمره وتنكشف كذبته، خاصةً عند "مُحدثي النعمة" ممن يغتنون فجأة سواء بالطرق المشروعة أو غير المشروعة، فهم يتنافسون على اقتناء الكماليات والمبالغة فيها وهواية الاستعراض لممتلكاتهم ومنازلهم وسفراتهم وادعاء السعادة الوهمية من خلال عرضهم لأزواجهم ولأبنائهم في بيئة مثالية ومترفة رغم تركهم تربية أبنائهم للخدم لينتجوا أجيالا تعاني من أمراض نفسية واضطرابات سلوكية، حيث أدت ظاهرة المظاهر الخداعة والتقليد الأعمى إلى ازدياد حالات الطلاق والعنوسة وعزوف الشباب عن الزواج تفادياً للتكاليف الباهظة للكماليات التي ترهق كاهل الشاب، ولم يعوا أن كل ذلك ليس معيارا للغنى ولا يحدد المكانة الاجتماعية بل يظهر عدم الوعي الاستهلاكي، قال الرسول عليه الصلاة والسلام "والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا، كما بُسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم".فالفقر الحقيقي هو فقر النفس من الإيمان والأخلاق والعلم وحسن التصرف، والغنى هو غنى النفس بالإيمان والأخلاق والعلم وحسن التصرف، وأحد حيل المظاهر الخداعة هو ادعاء الغنى أو العلم الذي يعتبر تصنّعا وتمثيلا يؤدي إلى الكلفة ونفور الناس، حيث إنني أنفر بقوة ممن ينظر إلى ماركة حقيبتي ولا ينظر إلى مستوى تفكيري وعقليتي وأخلاقي، وقد أكد علماء النفس ان الدافع الحقيقي وراء الاهتمام بالمظاهر الخداعة هو مرض نفسي سببه عقدة النقص وعدم الثقة بالنفس والإحساس بالدونية، لاسيما وان المرائي هو شخص بلا مبادئ ولا قيم يناضل من أجلها ولا أفكار يؤمن بها ولا هدف حقيقي يسعى إلى تحقيقه، لذا نجد ان كل حياته تتمحور حول القشور والتفاهات، ويقول الشاعر أبو الفتح السبتي:يا خادم الجسم كم تشقى بخدمتهِاتطلب الربح مما فيه خسرانأقبل على النفس فاستكمل فضائلهافأنت بالنفسِ لا بالجسمِ إنسانأخيراً:جمال النفس يسعد صاحبها ومن حولها، وجمال الصورة يشقي صاحبها ومن حولها، فالنفوس المطمئنة والنقية هي نفوس نادرة تسعدنا وتشكل مصدرا للسرور والراحة النفسية، فتجذبنا إليها كالمغناطيس، وذلك لما تتحلى به من أخلاق راقية وحسن تعامل بتواضع وأدب وطيبة وذوق، وهؤلاء هم من يستحقون منا كل الحب والاحترام والتقدير، بل يستحقون التمسك بهم والتضحية من أجلهم.."اللهم إني اسألك حبكوحب كل من يحبكوحب كل عمل يقربني إلى حبك"..