12 سبتمبر 2025

تسجيل

مجتمع المعرفة الجديد

01 مارس 2021

ورد في الملل والنحل للشهرستاني قولة للفيلسوف سقراط وهي: "لا تكرهوا أولادكم على آثاركم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"، وإن كان البعض ينسبها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، إلا أنني وجدت ابن القيم في إغاثة اللهفان ينسبها كذلك لسقراط، وقد نتفق مع هذا الرأي أو نختلف معه باعتبار السياق الأخلاقي، لكن في معيار الثقافة والوعي يمكن البناء على ما قاله سقراط، فالأجيال تتلاحق، يتغيّر وعيها ويظهر بآليات جديدة، ويسحب معه ثقافة المجتمع، لصيقة بقدرة هذا المجتمع على الثبات والامتداد بفكره وروحه والتعبير عن هواجسه وقضاياه، وعليه نؤمن بأن حضور الوعي ضرورة تتحقق معه الأنا وكل ما يقومها من تمثلات الهوية التي لا تستثني التجذر في الموروث، ولا تقف دون التطلع إلى المستقبل، يحفزها الحاضر بكل ما جمع من أدوات التعبير والتواصل، إذ إن الذات لا يتحقق وجودها إلا من خلال الاعتراف المتبادل بين الأنا والآخر، ولا شك أن العجز عن هذا الاعتراف يعمق العائق الثقافي الذي يمنع من التعريف بشواغل الواقع وقضايا الإنسان في حراكها الشغوف للتحرر من قيود الانحسار السالب المطوق بالماضوية، وعليه وجب التنبه إلى أن تحولات الواقع تستلزم تغيير آليات الوعي، حيث إن تنميط أدوات التواصل استناداً إلى نماذج تقليدية أسست نسقاً ساد مرحلته التاريخية ووسمها ببصمته، ليس بالضرورة مفتاحا لحدود الآخر وتذكيره بهمومنا، ولعل أبرز مثال على ذلك القضية الفلسطينية وسبل التعريف بها، أو تحفيز المجتمع الإنساني إلى عدم إغفالها، وهو ما وجدته حاضرا في مقال للدكتور ماجد بن محمد الأنصاري بعنوان (فكرة السير نحو الأقصى)، وهو مقال يتسم بالجدة والواقعية، ويحمل أهمية بالغة في توصيف اللحظة التي تعايشنا وتستنفر فينا ضرورة الانكشاف على تواضع حضور قضايانا لدى الرأي العام رغم توفر كل إمكانات النشر والتواصل في مجتمع عالمي مصغر بلغ فيه منسوب تدفقات العولمة أقصاه، لكن مع ذلك نشهد ذلك العجز الحاسر الذي يمنع الحفاظ على حيوية قضايانا العادلة في ذاكرة الحراك الإنساني. إن إغفالنا لجيل جديد من الشباب الذي احتضنه مجتمع للمعرفة يختلف اختلافا جذريا عما عاشه الآباء المؤسسون لثقافة النضال التقليدية بمفاهيم مركوزة في الماضي بوصفها مُثلا مطلقة، وما هي في حقيقتها إلا أساليب للتفاعل مع الذات ومع الآخر لا تثبت مع تغير المعاني التي تنتجها ثقافة الوعي بوسائطها المتطورة، وقد لا نحتاج إلى مراكمة كمية مادية بالأساس، بقدر ما نحتاج إلى تطوير الفكرة وجعلها تنساب مع آليات عصر جديد وجيل له إمكاناته الإبداعية، ومن واجبنا أن نفتح أمامه أبواب الثقة ونحفزه لإنتاج مفاهيمه المستحدثة، فنكون نحن كالأصول التي تراقب فروعها وتسهر على تغذيتها بكل ما هو جديد دون إعاقتها عن النمو والاستمرار في العطاء. إن هذا المقال للدكتور ماجد لجدير بأن يكون مقدمة لبحث مطول حول مجتمع المعرفة الجديد والآفاق الممكنة للأجيال القادمة وهي تصافح واقعا متجددا بآلياتها وقدراتها التي أصبح من الصعوبة علينا نحن الآباء إدراك كل أسرارها. أستاذ مشارك بكلية الشريعة – جامعة قطر