12 سبتمبر 2025

تسجيل

مؤتمر قطر... دروس مفيدة في أخلاقيات الإعلام

01 مارس 2020

أصبحت قطر منبرا لمناقشة العديد من القضايا السياسية والاعلامية والمجتمعية التي تهم الباحثين والسياسيين والخبراء الساعين إلى وضع الحلول الناجعة للتحديات الماثلة في عالم اليوم.. وخلال الاسبوع الماضي شهدت الدوحة مؤتمرا علميا محضورا ناقش أخلاقيات الاعلام في ظل التحديات التي أعقبت النمو المتسارع لصحافة المجتمع.. واناقش في هذه الساحة عطفا على ذلك الحوار قضية الاخلاق بين الالزام والالتزام بين العاملين في صناعة المحتوى الاعلامي والناشطين في ترويجه بين المتلقين. الفرق بين الالزام والالتزام أن الإلزام يكون من سلطة عليا تأمر وتنهى، ولا رادّ لأمرها ونهيها لأنه حق وعدل، وهي أيضاً تمدح وتوبخ، تراقب وتحاسب المنحرفين في سلوكهم عن الصراط القويم، أما الالتزام فهو التقيد والتعبد بهذا الواجب والإلزام حتى ولو خالف ميول الملتزم وتقاليد أهله ومجتمعه، وأن الالتزام يشبه إلى حد بعيد السير على قضبان من حديد تُعين للملتزم الطريق الذي يسير عليه تماماً كسير القطار، ومن الإلزام والالتزام يتألف مفهوم النظام، ومن تمرد على الإلزام والواجب فقد خرج عن النظام العادل. ولا غنى عن مبدأ الإلزام والالتزام لأية أسرة أو جماعة تعيش حياة مشتركة، فهو العهد والميثاق الذي يضمن بقاءها، ويصونها من الفوضى والانحلال، بل هو الأساس الأول للأديان والشرائع والقوانين والمذاهب الأخلاقية وغير الأخلاقية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا من جديد، هو هل يمكن فرض الأخلاق بالقانون؟ ويجيب على هذا التساؤل الدكتور القانوني سعد أبو القاسم سعد (2019م) بالقول: إنه لابد أن نفرق أولاً بين النظام القانوني والنظام الأخلاقي فمن حيث المبدأ ومن منطق القانون نعم يمكن فرض الأخلاق بالقانون كآلية بحسب منطق القانون، أي قيمة أخلاقية يمكن فرضها بالقانون ما دام اتبعت الآليات الواجب اتباعها بقصد اصدار هذا القانون وفقاً للنظام القانوني المتبع والموجود سواء كان نظاما ديكتاتورياً أو نظاما ديمقراطيا. ومن طبائع السنة القانونية هي أن تفرض الأخلاق بالقانون ودور القانون هو فرض القيم الأخلاقية وحمايتها. أما من حيث النظام الأخلاقي فلا يمكن فرض الأخلاق بالقانون، فليست كل قيمة أخلاقية قابلة أن تفرض بالقانون، فداخل النظام الأخلاقي هناك قيم قابلة للفرض بموجب القانون أو أن تحمى بالقانون وهناك قيم لا يمكن أن تفرض بموجب القانون بمنطق الأخلاق نفسها. فمثلا اماطة الأذى عن الطريق، فالإسلام نفسه يندب للمسلم ذلك وهو أمر يترك للمرء، لكن إذا لم يفعل ذلك فلا يحاسبه القانون، فلا يمكن في هذه الحالة فرض قانون يجرم كل من لم يميط الأذى عن الطريق، وكذلك بالنسبة للكف عن النميمة أو القطيعة أو الحسد، ولكن هناك قيم أخلاقية عليا يمكن فرضها بالقانون مثل حرمة الدم وحرمة المال، فيرى النظام الأخلاقي أنها قابلة للفرض. وإذا كانت القيم الأخلاقية قابلة للفرض بالقانون او حمايتها بالقانون فيجوز فرضها بالقانون، أما إذا كانت مما لا يجوز فرضها بالقانون فلا يجوز فرضها بالقانون. أما الأستاذ أحمد كمال الدين المحامي والصحفي (2019م)، فيشير إلى أن (الأخلاق) تعبير فطري عن القانون الطبيعي الحاكم للإنسان بغض النظر عن وجود قانون وضعي قائم، ويجد الإنسان السوي نفسه ملتزماً بقواعد الأخلاق من قبيل الفطرة السليمة، ولا يزيد القانون ذلك إلا تأكيداً. بيد أن الإنسان قد يفسد عبر الزمن، فيلزمه قانون ليسند ضميره ضد المرض الأخلاقي، وعندها يلزم العقاب ويلزم الردع. وهذا العموم عن الأخلاق ينطبق على أخلاقيات مهنة القانون، وليس ثمة اختلاف إلا اختلاف التخصص المهني، لكنها في نهاية المطاف قواعد أخلاقية تخاطب الضمير الإنساني. أما عن إمكان فرض هذه الأخلاقيات بالقانون فالإجابة بالإيجاب، ذلك لأن القانون يستخدم لفرض قواعد لا علاقة لها مباشرة بالأخلاق، مثل جريمة السير في الجانب الخطأ من الطريق، فهذه جريمة تنظيمية توافق عليها المجتمع لتحسين مستوى حياته، ولم تنشأ من أي رفض أخلاقي للسير إلى جانب بعينه من جوانب الطريق، وهكذا الحال بالنسبة لسائر القواعد القانونية التنظيمية التي ليس لها أصل في الأخلاق، وهي عديدة. فإذا كان ممكنا فرض هذه القواعد من خلال التشريع القانوني، فمن باب أولى إمكان تعزيز القواعد الأخلاقية، ومنها أخلاقيات المهنة القانونية، من خلال التشريع القانوني. عالمياً نشير إلى انه كونت لجنة عام 1957م لبحث جرائم الشذوذ الجنسي والدعارة برئاسة سيرجون ولفندين واصدرت تلك اللجنة تقريراً في المسألة قالت فيه: إن وظيفة القانون الجنائي حماية النظام والآداب العامة وحماية المواطن من العدوان والأذى وحمايته من الاستعمار وإفساد الآخرين له، خاصة الأشخاص الذين لديهم قابلية للتأثر وذلك لصغر سنهم أو لضعفهم جسدياً أو عقلياً أو لقلة خبرتهم. وقالت: ينبغي أن تكون هناك مسافة من الأخلاق الخاصة لا تدخل في اختصاص القانون. واعتبرت اللجنة أن ممارسة الشذوذ الجنسي مسألة شخصية لا يجوز أن يدخل القانون فيمنع هذه الممارسة. ولقد اعتمدت هذه اللجنة على فلسفة مل وموقفه من الحريات، فقد عار مل استخدام المجتمع القوة ضد أي فعل يقوم به الفرد بحجة أنه بفعله هذا يلحق الضرر بنفسه، واعتبر ذلك تعدياً على سيادته وقراره وحريته. وقال ان الحالة الوحيدة التي يجوز أن تستخدم فيها القوة ضد ما يقوم به الفرد هي تلك الافعال التي تلحق الضرر بالآخرين. ورغم ذلك فيرى آخرون من امثال ولورد ويلفن أن القانون ينبغي أن يتدخل لفرض بعض أخلاقيات المجتمع، خاصة تلك التي إذا كان تجاوزها يهدد وجود المجتمع، واعتبر أن من مهام القانون قمع الرذيلة مثلها مثل أي نشاط هدام، وقال إن شرعية تدخل القانون في الأخلاق الشخصية يعتمد على الاحساس الذي يؤدي إلى مشاعر السخط والاشمئزاز عند عامة الناس. ويوضح محمود عبد الكريم إرشيد، {2008م} أنه في الإسلام للدولة الإلزام بالقيم والأخلاق في أكثر من جانب من جوانب الحياة دور مهم إذ الناس ليسوا ملائكة، وقد يخالف بعضهم شريعة الله تعالى في جانبها القيمي والأخلاقي في مجال الطب أو الهندسة أو الاقتصاد، فلابد أن يكون للدولة دور في تصحيح المسار، كون مهمتها تنحصر في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وبالإضافة إلى ذلك فإن الدولة تحول افكار الإسلام إلى واقع وتجسده على أرض الواقع، فترى المسلم الملتزم بالأخلاق في تعامله بيعاً وهندسة وطباً، كما أن للدولة أن تنشأ من المؤسسات والأجهزة ما يقوم بمهمة الحراسة والتنمية والتطوير، كما أن لهذه المؤسسات أن تعاقب من تعدى وخالف، أو أهمل إهمالاً مخلاً. ولقد كان نظام الحسبة الذي عرفته العصور الإسلامية الأولى ووضعت إطاره العام وخصصت له الموظفين، وقسمت عليهم العمل في هذا الإطار، من انجح الوسائل التي تحرس الدين وتحافظ على تجسيده على ارض الواقع. فيما يرى الشيخ محمد جواد مغنية، {1992م} أن مهمة الدولة هو أن تعمل على إقامة الفرائض والواجبات، وأن تمنع وقوع المحرمات وبخاصة الكبائر كالربا والسرقة وشرب الخمر والزنا ونحوها من المحظورات. ويؤكد الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه القيم (دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي، 1995م)، أن تدخل الدولة الإسلامية في الفعاليات والانشطة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وسائر ما يجوز التدخل فيه، يهدف الى تحقيق مصلحة الأمة من ناحية، وتحقيق المقاصد التي جاء الشرع من أجلها، ومنها القيم والأخلاق. إذاً لابد من رؤية جديدة لأخلاقيات الممارسة الإعلامية في العالم العربي ترقى إلى إيجاد معايير محددة في البيئة العربية الإعلامية، يمكن من خلالها تقييم مدى احترام المضامين الإعلامية المنشورة إعلامياً لأخلاقيات المهنة.