19 سبتمبر 2025

تسجيل

دلوني على السوق..

01 مارس 2015

حين قدم المهاجرون من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، آخى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بينهم والأنصار، فكان من ضمن المهاجرين الكبار، عبدالرحمن بن عوف الذي آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينه وبين أحد الأنصار وهو سعد بن ربيع، فقال سعد لعبد الرحمن: "أخي أنا أكثر أهل المدينة مالاً، فانظر شطر مالي فخذه، وتحتي امرأتان، فانظر أيتهما أعجب لك حتى أطلّقها وتتزوجها. لكن ماذا كان جواب الصحابي الكريم عبدالرحمن بن عوف، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة؟ قال: "بارك الله لك في أهلك ومالك، دُلوني على السوق، فخرج الى السوق يبيع ويشتري، إلى أن تمكن من تأهيل نفسه مرة أخرى في عالم التجارة، بعد أن خسر الكثير جراء إسلامه وهجرته من موطنه مكة الى يثرب، مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.ماذا يمكن أن نخرج من هذه القصة المشهورة. إنها بكل اختصار نموذج على أهمية القيام من بعد السقوط أو النهوض من بعد كبوة وتعثر، فهكذا هي الحياة، لا تنتظرك لكي تنهض وتتأهل وتعيد نفسك ثم تبدأ عجلتها بالسير مرة أخرى. الحياة أشبه بقطار كبير يسير دون توقف، فمن يسقط عنه ولم يبذل جهده للحاق بهذا القطار وركوبه من جديد، سيكون عرضة للهلاك والضياع والفناء بشتى صور الضياع والفناء. عبدالرحمن بن عوف خسر أمواله بعد أن كان من أثرياء مكة، لكنه لم يجزع لأن خسارته تلك كانت مقابل إسلامه، فاختار الآخرة على الدنيا، فكسب الدنيا مرة أخرى في غضون فترة وجية وصار من كبار تجار المدينة، وفوق ذلك كسب الآخرة أيضاً.. وكيف لا، وقد صار من ضمن العشرة الذين بشرهم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بالجنة وهم بعد أحياء.. وهل هناك أشرف وأرقى وأنبل وأغلى من هذا المكسب؟ هكذا هي الهمّة المطلوبة، وهكذا يكون التعامل مع العثرات والسقطات والهزائم.. فكلنا يتعرض للهزائم والخسائر في شتى مناحي الحياة، وليس في ذلك ما يعيب، لأن العيب كله في الركون الى الأرض والقبول بالخسارة والهزيمة دون الدفع ولو بالقليل، من أجل اللحاق بقطار الحياة، لمواصلة المسير حتى الرمق الأخير.