15 سبتمبر 2025

تسجيل

واشنطن والفرصة الأخيرة لأردوغان!

01 مارس 2014

للمرة الأولى منذ آب/أغسطس الماضي تم اتصال هاتفي بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان.الاتصال استحق توقف الدوائر التركية والخارجية. إذ إن آخر لقاء شخصي بين الرجلين كان في مايو/مايو 2013 في واشنطن ومن بعده انقطعت الاتصالات حتى آب/أغسطس حين اتصل أردوغان بأوباما هاتفيا في فترة ظهور احتمال توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا.الانقطاع في الاتصالات بين أوباما وأردوغان سواء مباشرة أو هاتفيا انسحب أيضاً على المسؤولين الأتراك الآخرين بحيث كانت آخر زيارة لوزير الخارجية أجمد داود أوغلو إلى واشنطن منذ بضعة أشهر ولم تمر في أجواء إيجابية.يمكن القول أن العلاقات الأمريكية – التركية قد شهدت هذه التوترات لأسباب متعددة منها:1- العلاقات مع إسرائيل:حيث مرت العلاقات التركية- الإسرائيلية في محطات متفاوتة من الغزل والعداوة. ولم تعرف العلاقات تحسنا بعد حادثة مرمرة سوى في مايو/مايو الماضي عندما لبّت إسرائيل مطلبا تركيا أساسيا وهو أن تعتذر عن مقتل الأتراك التسعة في الحادثة وهو ما فعله رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو خلال زيارة أوباما لإسرائيل ووقوفه عند تمني أوباما حيث اتصل نتنياهو بأردوغان واعتذر رسميا. ومع أن مشكلة التعويضات بقيت عالقة غير أنها لم تكن تشكل عائقا أمام عودة العلاقات طبيعية بين البلدين. غير أن العلاقات لم تتطور كما كان متوقعا في اتجاه التطبيع. فقد حصلت بعد حوالي شهر ونصف على الاعتذار احتجاجات تقسيم- غيزي ضد أردوغان وحكومته والتي طالبت بوقف خطوات تقييد الحريات. وكان لافتا إلى أن أردوغان أشار إلى أن إسرائيل والخارج كانا وراء أحداث تقسيم وهو ما أسهم في عدم استكمال خطوات التطبيع. ولقد وجدت إدارة أوباما أن أردوغان لم يقابل خطوة نتنياهو الاعتذارية بمثلها حتى لا نقول بأحسن منها وهو ما اعتبرته قلة احترام لها من جانب أردوغان. وهذا كان في أساس الفتور الأمريكي في العلاقة مع أنقرة.2- عندما وقعت أحداث تقسيم- غيزي، وجّه اردوغان اتهامات للخارج ومنه الغرب بالوقوف وراءها. وقد وجّهت وسائل الإعلام الغربية الأمريكية والأوروبية انتقادات قاسية لحكومة أردوغان وبدأت بتصويره على أنه سلطان عثماني جديد كما ورد على غلاف مجلة الإيكونوميست البريطانية. تحميل أردوغان للغرب الوقوف وراء أحداث تقسيم كان عاملا آخر في توتر العلاقات التركية- الأمريكية.3- ومن ثم جاء الوضع في سوريا وتراجع واشنطن عن توجيه ضربة لسوريا في نهاية آب/ أغسطس من عوامل غضب أنقرة الشديد التي كانت أعلنت أنها ستشارك في الضربة إذا حصلت ولو لم يصدر قرار عن مجلس الأمن الدولي. إلغاء الضربة أوقع تركيا في خيبة أمل كبيرة إذ كانت تراهن على تحقيق انتصار سياسي وعسكري على النظام في سوريا يعوض خيباتها السابقة، وكان الإلغاء بالتالي سببا لمزيد من الشكوك من جانب أنقرة في نيات الولايات المتحدة تجاه سوريا والمنطقة.4- ومن بعد ذلك انفجرت قضية الفساد في تركيا في 17 ديسمبر 2013 والتي اتهم فيها وزراء في حكومة أردوغان ومسؤولون آخرون كما ابن أردوغان بلال. وكانت القضية نقطة الانفجار الكبرى بين أردوغان وجماعة الداعية الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولين والذي اتهم بأنه وراء انفجار الفضيحة بناء لأوامر أمريكية وإسرائيلية للإطاحة بأردوغان. بل إن أردوغان مباشرة بعد انفجار القضية اتهم علنا السفير الأمريكي في أنقرة بالتدخل في الشأن الداخلي التركي مهددا بطرده من تركيا.وفي خضم هذا التوتر صدرت تقارير أمريكية كما نشر عدد كبير من المقالات ورفعت إلى أوباما رسائل كانت تظهر له أن تركيا تتراجع كثيرا في مجال الحريات والديمقراطية، وأن مثل هذه التركيا لا يمكن أن يكون لها مكان في المنظومة الغربية.الاتصال الهاتفي الذي بادر إليه أوباما كان مفاجئا لكنه لم يعكس إمكانية طي صفحة الخلافات. ووفقا لما نشر عن المكالمة فإن أوباما أراد منها إعطاء أردوغان فرصة أخيرة له لوقف التراجع على صعيد الحريات والديمقراطية، كما ضمنا المباشرة بإعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وتفجير مسألة التسجيل الصوتي بين أردوغان وابنه بلال على قاعدة التورط بقضية الفساد، هو دليل آخر على أن العلاقات بين أنقرة وواشنطن تمضي إلى مزيد من التدهور وما تحمله من إمكانية تدفيع تركيا وسلطة حزب العدالة والتنمية ثمن ذلك في المستقبل.