13 سبتمبر 2025
تسجيلنادرة هي تلك الروايات التي يأخذ فيها الكاتب القارئ إلى عوالمه الخاصة لينتزعه من مكانه ويزرعه في مكان آخر بعيدا جداً حيث بيئة الكاتب وثقافة أرضه ومجتمعه وأحداث مختلفة تأثرت بها أجواء الرواية (الحب في زمن الكوليرا) هي رواية للكاتب الكولومبي جابرييل جارثيا ماركيز نشرت عام 1985، وقد تمت معالجتها سينمائيا وهو فيلم يحمل عنوان الرواية نفسها. وهي من أشهر روايات جابرييل جارسيا ماركيز الحائز على جائزة نوبل في الآداب، والذي أعلن خجله من حمل هذه الجائزة في الوقت الذي يحمله فيها مرتكبو المجازر في فلسطين ولبنان وصاحب البيان الشهير الذي يطالب المثقفين العرب بأخذ موقف قوي وموحد في نصرة القضية الفلسطينية، وصاحب الرواية الأشهر "مائة عام من العزلة".تروي أحداث الرواية قصة حب بين رجل وامرأة منذ المراهقة، وحتى ما بعد بلوغهما السبعين، وتصف ما تغير حولهما وما دار من حروب أهلية في منطقة الكاريبي وحتى تغيرات التكنولوجيا وتأثيراتها على نهر مجدولينا في الفترة من أواخر القرن التاسع عشر حتى العقود الأولى من القرن العشرين. كما أنها ترصد بدقة الأحوال في هذه المنطقة من العالم من حيث الأحوال الاقتصادية والأدبية دون التأثير في انتظام الأحداث وسيرها الدقيق مما يضعنا أمام كاتب يمسك بأدواته الأدبية والإبداعية على أحسن ما يكون. وهو في روايته هذه متمسك بالحياة جدا لدرجة أنه يرفض الموت لأبطاله وإن اضطر لقتل أحدهم فهو يصرخ ويبكيهم كما لو كانوا أصدقاء!! ولقد منح المؤلف هذه الرواية كل ما يملكه من نبوغ في السرد القصصي وسعة الخيال، وهو أيضا مؤلف مائة عام من العزلة والحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1982. الرواية مليئة بالزخم والأحداث لأنها تروي قصة رجل وامرأة منذ المراهقة وحتى ما بعد السبعين عاما ولأن الرواية رواية "حب" كان اسمها حب ولأنها قصة حزينة نشأت في وسط حزين كان لا بد لماركيز أن يضيف "في زمن الكوليرا" والحاضرة كبطل رئيس في الرواية كوحش منتشر في منطقة الكاريبي ذات الحر الخانق والفقر حاصدا البشر بشراسة لدرجة ترى فيها الجثث ملقاة في الشوارع ولا ينفذ منها حتى الأطباء أنفسهم. البطلان الرئيسان هما فلورنتينو إريثا الذي يعشق فيرمينا إديثا وهي على مقاعد الدراسة وتبادله الحب عبر الرسائل فتطرد من المدرسة الدينية لأن المدرسة ضبطتها تكتب رسالة حب كما يرفض والدها التاجر هذا الحب لأنه يأمل لابنته بعريس من طبقة اجتماعية أعلى فيسافر بها بعيدا عن المنطقة ويغيب فترة يظنها كافية ومن هنا تبدأ الحكاية،لا يمكن القول إلا أنها رواية أكثر من رائعة، قدمت عبر قصة الحب الطويلة هذه الكثير من الواقع الإنساني بشكل ساحر فقد نقرأ فيها الثقافة اللاتينية بكل زخمها من خلال الأبطال مع تحولات مرحلة التحرر والبناء والانتقال نحو المدنية وما عايشته أمريكا اللاتينية من أوبئة وحروب أهلية من خلال منظور إنساني يغوص في أعماق الشخصيات التي اختارها الكاتب بعناية ودقة أدهشني انتقال الكاتب بين الأمكنة والأزمنة بلوحة مشحونة بالخيال وكأنه يهرب من واقع إلى واقع آخر في النهاية فإن ماركيز يستمد قوته من الواقع بطريقة مشوقة تلهب خيال القارئ بالتوقعات المختلفة هو عالم من نوع آخر؛ الدخول اليه متعة لن يتذوقها إلا من غاص عميقا بين صفحات هذا الكاتب.