14 سبتمبر 2025

تسجيل

أوكرانيا ملهمة الجميع

01 مارس 2014

لا عجب في حجم الاهتمام العربي بما يجري في أوكرانيا، والناس في أحداثها مذاهب شتى، ورغم أنها بلاد لم تتغير فيها الجغرافيا، ولم تزحف بحدودها نحو العالم العربي يوماً إلا أن أهميتها تزداد في التفاعلات والتحولات السياسية العربية.في العام 2004، يوم كان العالم العربي يسبّح بحمد الديكتاتوريات القائمة، كانت "ثورة البرتقال" تزين سماء أوكرانيا وتبث الحياة في ثلجها الكئيب، وحدها ساحة الشهداء في لبنان حاولت استنساخ التجربة الأوكرانية، فخرج الناس زرافات لطرد الوجود السوري من لبنان بعد حكم مباشر لثلاثة عقود متتالية. "ثورة الأرز" كما سمّاها منجبوها، سبقها مخاض عسير انتهى بمقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير 2005. وقد وقع مقتله في عيد الحب الذي يكثر فيه اللون الأحمر، وهو لون يحمل صلة قرابة مع اللون البرتقالي على ما أعتقد! شباب الثورة الذين نجحوا في إخراج النظام السوري من لبنان عبر التظاهرات التي عمّت المدن كانوا يفاخرون بأنهم استنسخوا ثورة البرتقال التي قلبت الأوضاع في أوكرانيا وأخرجت البلاد من عباءة الروس.سنوات قليلة استغرقت ثورة الأرز قبل أن تصل نسمات ربيعها إلى الربوع العربية التي ما لبثت أن تفتحت براعمها في تونس وليبيا ومصر واليمن وغيرها. لم يدم الربيع العربي طويلاً في بلاد لم تشهد ربيعا سوى في الفصول المناخية حيث تعجز القبضة الأمنية من التحكم، فلم يكن يشغلها تقلبات الطقس وتغيير الفصول طالما أنها لا تؤثر في طبائع الشعوب المستعبدة. الربيع العربي حرك الماء الراكدة، وقوى الظلام وأي متضرر أو ظن أنه سيتضرر من التغيير كشّر عن أنيابه وشحذ سيفه، وأعلنها حرب وجود وفق معادلة صفرية " نحن أو هم "، فتآمر من تأمر وداهن من داهن، فانحرفت ثورة، وأجهضت ثورة، وقمعت أخرى، وبدا أن العالم أعاد تقسيم نفسه من جديد وفق خارطة ترسم ملامح قرن جديد ربما هو أقرب إلى ما كان عليه أيام المعسكرين الشرقي والغربي، روسيا تدعم نظماً قائمة وأمريكا تدعم تغييرها. ربما تكون المقارنة مخلة، فلا روسيا الاتحادية اليوم تملك من الإيديولوجيا والقوة ما يجعلها وجها نقيضا للمعسكر الغربي، ولا المعسكر الغربي يرى نفسه في مواجهة جبهة تناهض القيم الغربية في حرية الحركة والتنقل للفرد والبضائع على السواء.نحن أقرب اليوم إلى نظامين يبحثان عن مصالحهما فقط، واحد يراها في التحولات الجارية وآخر يراها في مخالفته.. هنا تصبح مصطلحات "الإرهاب " و"التكفير" و"الرجعية" سلاحاً جديداً يضاف إلى الأسلحة التي كانت رائجة خلال الحرب الباردة من "الإمبريالية" و"الاستكبار العالمي" و"الصهيونية الدولية" لتشكل راجمات صواريخ توجه ضد أي جبهة معارضة، فيستباح معها كل حرمة للخصم سواء كان جماعة أو حزب أو مذهب أو دولة.وسط هذا التفاعل تخرج أوكرانيا من قمقمها مرة أخرى، فإذا بها خنجرًا مسمومًا في خاصرة الروس هو من جنس السُمّ الذي تسقي منه شعبا عربيا.. معادلة صعبة حقاًّ! كانت أوكرانيا ملهمة لثورة الأرز ولثورات عربية تلت، ثم إن عودة النظام القديم للحكم فيها، وزجّه للثوريين في السجون كان ملهما بدوره لدعاة الثورة المضادة في العالم العربي، فاستلهموا التجربة للتخلص مما أفرزه التغيير الذي اجتاح بعض البلدان العربية.تعود أوكرانيا اليوم ملهمة لدعاة الثورة على الثورة المضادة من جديد، آملين أن يتعلموا الدرس في الجولة القادمة من جولات النزال لاستعادة المكاسب التي حققوها ذات يوم.أوكرانيا سبقت العرب بعشر سنوات من التغيير، ومن يريد أن يستشرف مستقبل بلده لعقد قادم فقد تكون أوكرانيا مثالاً مناسباً.من هنا نفهم هذا الاهتمام الكبير بها، ما بين حزين على خروج رئيسها وهروبه منها في جنح الليل وبين متفائل بعودة تيموشنكو إلى الحكم تلك المرأة التي غُيّبت في السجون ثلاث سنوات دون أن تجد من يدافع عنها وصدق الله سبحانه"وتلك الأيام نداولها بين الناس".