17 سبتمبر 2025

تسجيل

وعسى أن تكرهوا شيئاً

01 مارس 2014

جاء أحد العاملين مع المخترع الأمريكي المشهور أديسون مسرعاً ذات يوم ليخبره بأن المصنع قد احترق وأن لنيرات لم تبق على شيء إلا التهمته وحولت المصنع الى رماد.. فماذا تتوقع كان رد فعل أديسون مع هذا الخبر المزعج؟ لقد تصرف مع الموقف بكل هدوء وبروح يسيطر التفاؤل عليها وقال برباطة جأش غير جازع: "وأخيراً جاءت الفرصة المناسبة لنبني مصنعنا بالشكل الذي نريده"!! كان رده عجيباً ونادراً في زمن مادي بحت، وما قال ذلك إلا لأنه كان ينظر للأمور بمنظار آخر غير ما كان ينظر إليه من معه من العاملين في المصنع. إنه حين قرر أن يتخذ مكاناً ليقيم مصنعه قبل أن يحترق، كان بدون خيارات، حيث اضطر الى البحث عن موقع ما يؤجره ويكيّف نفسه وفق المكان وليس العكس.. وتصرف أو تعامل مع واقع رسمه مهندس معماري بنى المكان لغرض آخر ليس من ضمنه بكل تأكيد، مصنع أديسون. لم يكن من المنطق أن يقوم أديسون بالتصرف في المكان وفق ما يحتاجه لأنه في نهاية الأمر لا يملكه، وقد يطلب منه صاحب العقار إخلاءه في أي وقت، فيكون تعديله وإعادة تصميمه هدر للمال والوقت. فمضى يعمل وفي ذهنه الوقت المناسب الذي ستأتي معه الفرصة المناسبة أيضاً ليكون له مصنعه الخاص وفق رؤيته هو وليس غيره! لقد كان احتراق المبنى هو ذاك الوقت الذي انتظره طويلاً، ولكن بالتأكيد لم يكن ليتمنى الحريق، ولكن بما أنه قد وقع فإن الفرصة جاءته، ولن يقف أمامه أو يعترض أحد على فكرة بناء مصنع جديد، ولكن هذه المرة وفق ما يراه أديسون. ولو كان قد فكر في بناء مصنع قبل الحريق فإن الاعتراضات كانت ستكون شديدة وكبيرة. زبدة الكلام .. أي أمر يحدث لك لا بد أنه يحمل الشر والخير معاً، فنحن أمام أي مشكلة ترانا نجزع أولاً ولا نرى مما حولنا سوى كل ما هو سيئ ومظلم وتضيق الدنيا بما رحبت. لكن لو هدأنا بعض الشيء وأعملنا الفكر فيما حدث، فإنه من المؤكد سنجد خيراً أو نوراً في جانب من الجوانب. المسألة بطبيعة الحال ليست سهلة كسهولة التنظير أو الكتابة فيها وحولها، ولكنها تحتاج منا إلى القراءة فيها والاستفادة من خبرات أهل التجربة، ومحاولة استرجاع أي أمر قد وقع لنا ودراسته واستكشاف جوانب الخير والشر فيه بمعية آخرين وأهل الخبرة. ولو فعلنا ذلك لوجدنا الآية الكريمة على الفور متجسدة أمامنا. وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.