15 سبتمبر 2025

تسجيل

الشهرة سراب

01 فبراير 2024

استوقفني حديث أديب الفقهاء، وفقيه الأدباء الشيخ علي الطنطاوي، رحمه الله، بصوته الناصح وبلغته الجميلة وبأسلوبه العذب، الذي يشدك إلى سماعه والإنصات له حتى يكمل حديثه، وتتوقف عند كلماته رحمه الله، وكأنه يعيش بيننا حتى هذه اللحظة ويرى مدى التهافت في مجتمعاتنا -إلا ما رحم الله- إلى مَوَاطِن الشهرة والتصفيق والصدارة، يحدثنا رحمه الله حديث الناصح الأمين فيقول «1928 كنتُ أكتب تحت اسمي ظننت أني وصلت إلى المستقبل آداب وبكالوريوس آداب وفلسفة، قالوا لا. في مستقبل آخر، درست الحقوق صرت سنة 1932 أكتب تحت اسمي ليسانس في الحقوق، قالوا المستقبل بأن تشتغل بالمحاماة، اشتغلت فترة فيها، قالوا المستقبل أن تدخل القضاء، دخلت القضاء حتى بلغت به أعلى درجة ممكنة، قالوا المستقبل بأن يتزوج الإنسان ويكون له أولاد، لما تزوجت جعلني الله من الصنف الأول ((يهبُ لمن يشاء إناثاً))، وصار عندي جيش بحمد الله من الأسباط من الأحفاد، وصلت للمستقبل، لا. قالوا في ميدان الأدب المستقبل بالشهرة، فعرفت واشتهرت مثل جحا، وصار يعرفني الناس هنا حيثما مشيت، وعرفت في بلاد كثيرة. تدرون ماذا كانت النتيجة؟ ما هو هذا المستقبل الذي سعيتُ إليه وتعبت في سبيله؟ وظننت أني وصلت إليه!. والله المستقبل. وأشبه يعني نفسي ما أحد له عليَّ عتب، مثل الفرس الذي يجر العربة يربط بظهره، تربط بظهره عصا فيه حزمة حشيش، قالوا هذا المستقبل. كلما ركض ليدرك هذه الحزمة هي تركض معه، وجدته كله سراباً. الشهرة كنتُ أتخيلها وأنا بعيد عنها، أتخيل بأن الشهرة هي المتعة وهي اللذة. لما وصلت إليها رأيتها سراباً، المال: ما صرت من أرباب الأموال الكبار، لكن الحمد لله.. الحمد لله، عندي ما يكفيني ويزيد عني، وجدته هذا أيضاً سراباً!. الشهرة والمال والأولاد، كل هذا إذا وصل إليه الإنسان لم يجده شيئاً». انتهى كلامه رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته. ومضة ومن روائع كلماته رحمه الله «إن ثواب الله هو الحقيقة الوحيدة الباقية وما عداه متاع الغرور، خدع نخدع بها أنفسنا... ما الذي نحمله معنا إن ذهبنا.. إلا العمل الصالح؟ كله سراب إلا ما تقدمه بين يديك لآخرتك».