18 سبتمبر 2025

تسجيل

الأمل القادم من تونس

01 فبراير 2014

مرة أخرى تلقي تونس إلى إخوانها العرب طوق النجاة من الغرق في فوضى الاحتراب الأهلي أو البقاء في دائرة الاستبداد والاستقطاب السياسي.. تونس بإقرارها الدستور الجديد بأغلبية كاسحة قدمت نموذجا يحتذى، متجاوزة به عقبة كانت تحول دون انطلاق قطار ثورتها المجيدة.روح البوعزيزي الذي فجر الغضب في قلوب التونسيين، ووحد صفوفهم في وجه ديكتاتورية معلمنة، مغلفة بنموذج حداثي ما انفك يعمل على سرقة التونسيين ومواردهم، مازالت تمدّ التونسيين بالأمل وتدفع بهم للتقدم نحو المستقبل بخطوات واثقة وإن كانت حذرة وبطيئة الحركة، لكنها خطى ثابتة يتآلف حولها الجميع من إسلاميين وليبراليين ويساريين تمكنوا من تجاوز عقدة الصراع والهيمنة، واتفقوا على هوية تونس ومستقبلها، مخرجين دستوراً لا يقلّ تقدما وقيمة عن أرقى الدساتير العالمية.الفضل هنا للجميع، للحركة الإسلامية التي قدمت نموذجا في التضحية والحرص على البلاد، وصدرا رحبا في الانفتاح وتقبل هواجس الخصوم، واضعة مصلحة بلادها فوق أي طموحات شخصية أو فئوية، فكانت الأم المضحية بنفسها لإنقاذ أبنائها.والفضل يعود كذلك لقوى ليبرالية ويسارية لم تصب جم غضبها على الإسلاميين لأنهم فازوا في الانتخابات الماضية بقدر حرصها ألا يتحول هذا الفوز إلى بناء دولة دينية راديكالية، تلغي وتقصي الجميع بحجة أن الصناديق قالت كلمتها.ويبقى الفضل الأكبر للجيش التونسي الذي ترفع عن الانتهازية السياسية، فعرف حدود صلاحياته رغم النداءات غير البريئة لتوريطه في الصراع السياسي، فظل خادما للشعب والوطن ولم يسع لعكس ذلك، وأيقن أن السياسة للسياسيين، وأن نظرية القائد الأوحد الملهم والعظيم القادم من العسكر لم يعد لها مكان في عالم الحداثة، وأن عظمة الجيش ووطنيته تكمن في حماية البلاد من الأخطار الخارجية وعدم الانحياز لفريق سياسي على آخر في الصراع الذي هو نتاج طبيعي في أي ديمقراطية ناشئة، فضلاً عن بلد لم يخرج بعد من ثورة عارمة. هنيئا للجيش التونسي الذي قدم مثالا يحتذى في الوطنية، وأثبت حرصاً على الشعب يضاهي حرص الأم على أولادها.هنيئا لحركة النهضة التي أعطت مثالا للإسلاميين في بلدان أخرى عن كيفية التنازل والتفاهم ومشاركة الصعاب مع من يحرصون على البلاد، وإن كانت صناديق الانتخاب لم تعترف بهم.هنيئا للقوى المدنية بما فيها النقابات العمالية، والجمعيات النسائية التي قدمت نماذج في الشجاعة والثبات على المواقف، وعدم التنازل عما تراه من الحقوق الأساسية للمواطن.هنيئا لهؤلاء جميعا لأنهم أخرجوا تونس من سيناريو مصر الذي كان المتربصون بحقوق الشعوب العربية يروجون له، ويخططون ويبشرون التونسيين والعرب أنه لا مناص من الفوضى، فالثورات على النظم الظالمة المستبدة لا تنتج إلا الفوضى والدمار والراديكالية الدينية، وأن الاستقرار نعمة وتاج على الرؤوس لا يعرف قيمتها إلا من خرج من عباءة النُظم، وظن أن شعارات "حرية، عيش، كرامة" ستجلب له المن والسلوى.شكرا تونس، لأنك أعدت الأمل إلى قلوبنا بأن العرب يستحقون الكرامة، يستحقون الحرية، يستحقون الديمقراطية، يستحقون التعايش بين يسارية راديكالية وإسلامية محافظة، طالما أن الهدف هو النهضة وخلق مستقبل أفضل للأجيال، ولا يهم بعدها إذا تحدثنا عن دولة علمانية أو دولة دينية.تونس تخطو خطوتها الثانية على طريق الاستقرار والحداثة والدولة الوطنية وأمامها خطوات أخرى نرجو ألا تنتكس فرحتها يوماً.. فما هو قول بقية أشقائها العرب الذي غرقوا في فوضى الاقتتال الأهلي كما نراه في سوريا، أو لا شغل لهم إلا التآمر والسعي الحثيث لإجهاض أي ديمقراطية قد تولد هنا أو هناك!الدرس التونسي الثاني أكد أن العرب يستحقون العيش الكريم، وأن الفوضى ليست قدراً لكلّ شعب يريد التحرر مهما أوغلت الدولة العميقة وقوى الظلام بأساليبها القذرة في التآمر على الشعوب والقوى المناضلة من أجل الحرية والعيش والكرامة.. وصولة الباطل ساعة وصولة الحق إلى قيام الساعة.